كان واضحاً أن الوفاق بين القوى الشيعية الذي شهدته الأشهر الأولى من حكومة محمد شياع السوداني، سيكون لفترة معينة. كانت أسباب وجوده واضحةً أصلاً، ومنها: عدم إعطاء زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الفرصة، خاصة وأنه المنسحب الغاضب، فضلاً عن عدم إفشال "حكومة الإطار التنسيقي"، وبعدها سيتراجع "التوافق" مع زوال كل شهر ينذر بقرب اقتراع 2025.
التوافق الذي جعل من الأجواء "شبه وردية" في البلاد، كما يصفها كثيرون لم يستمر طويلاً. عصفت بحكومة محمد شياع السوداني أزمات مركبة، كانت حادثة "التنصت" والخلاف مع القضاء، بالإضافة إلى "التنابز الإعلامي" ليس أبرزها، وما أن حددت الحكومة قبل أسابيع 11 تشرين الأول 2025 موعداً للانتخابات النيابية، عرف كثيرون أن البلاد تترقب صيفاً ساخناً، أشد سخونة مما هو معتاد.
قبل يومين، أعلن الإطار التنسيقي، قراره المشاركة في الانتخابات بقوائم متعددة، لكنها ستلتئم عقب نتائج الاقتراع، لتشكيل كتلة (الإطار التنسيقي) التي تضم جميع أطرافه، بحسب بيان رسمي، وهو ما جعل الأسئلة تتردد في الفضاء عن شكل الخارطة الشيعية المقبلة، كيف سيكون؟ وما هو شكل الصراع المقبل؟
ائتلاف المالكي: لن يكون السوداني خارج الإطار.. ولا نخاف منه
العنصر الشيعي الأبرز داخل الإطار، ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، يؤكد فعلاً خوضه انتخابات مجلس النواب المقبلة بقائمة منفردة، مع التأكيد أيضاً على أنه سيجتمع مجدداً مع الإطار التنسيقي بعد الانتخابات.
"سنخوضها بقائمة منفردة"، يقول عضو الائتلاف عمران الكركوشي، لـ"الجبال"، ويؤكد أن "فترة ما بعد الانتخابات سوف نجتمع مجدداً مع كل قوى الإطار لتشكيل الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب، كحال الوضع حالياً".
ويقول الكركوشي لـ"الجبال"، إنّ "ائتلاف دولة القانون، ليس لديه أي مخاوف من صعود رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الانتخابات المقبلة أو تحالفاته، فنحن لدينا قاعدة شعبية ثابتة كذلك لدينا شركاء وحلفاء من كل القوى السياسية والسوداني في النهاية سيكون أيضاً ضمن كتلة الإطار القادمة ولن يكون خارجها".
تحالف المحافظين و"رجال الأعمال" مع السوداني
يخطط رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، أن يخوض الانتخابات المقبلة عبر تحالف انتخابي، يتضمن "تيار فراتين"، وهو حزب سياسي تابع للسوداني، متحالفاً مع رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، الذي يتمتع بنفوذ في المناطق السنية والشيعية على حد سواء، على حد تعبير ثلاثة مصادر تواصلت معها "الجبال".
وتتفق المصادر حول "وجود تفاهمات جيدة للسوداني وفي طور التفاوض مع أطراف أخرى، مثل كتلة السند التي يتزعمها وزير العمل أحمد الأسدي وأبو آلاء الولائي"، لكن معلومات ظهرت من حديث المصادر تشير إلى أن "السوداني يفضل دخول أحمد الأسدي الانتخابات بشكل منفصل عن أبو آلاء الولائي".
على صعيد آخر، يمتلك السوداني تفاهمات قوية وعلاقات قريبة مع عدد من المحافظين، من بينهم محافظا واسط محمد جميل المياحي وكربلاء نصيف الخطابي، الذي كان قيادياً بارزاً في حزب الدعوة.
وبالنسبة للمصادر الثلاثة، فإن "السوداني يتمتع بفرصة جيدة في محافظة نينوى، نظراً لقرب محافظ نينوى منه، وكذلك وزير الدفاع ثابت العباسي وحليفه فالح الفياض الذي يمتلك نفوذاً ملحوظاً في المحافظة".
السوداني الذي يشكل "ضغطاً" على القوى الشيعية الأخرى، نجح في استقطاب مجموعة من القيادات البارزة من داخل حزب دولة القانون، مثل عالية نصيف وحنان الفتلاوي ونصيف الخطابي.
وفي حديث مع مصدر مقرّب من السوداني، قال إن "هناك جانباً آخر من قوة السوداني يتمثل في تحالفه مع رجال أعمال شيعة نافذين، من بينهم حسن وكيل وسعد وهيب ومجموعة أخرى، مما يمنحه دعماً إضافياً"، بحسب تعبيره.
السوداني ذاهب فعلاً مع الأسدي.. وهناك حوارات مع العامري
قاطعت "الجبال" المعلومات التي جاءت عبر المصادر الثلاثة، مع مصدر مسؤول في تيار الفراتين، وهو حزب محمد شياع السوداني.
وقال القيادي في الفراتين الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب سياسية، إن "هناك أطرافاً ضمن الإطار التنسيقي ستكون ضمن تحالف السوداني وعلى رأسها رئيس كتلة السند أحمد الأسدي، كذلك هناك حوارات من أجل انضمام زعيم منظمة بدر هادي العامري، لكن ما زالت الأمور في مرحلة الحوار ولا اتفاق نهائي بشأن التحالفات".
وأضاف القيادي لـ"الجبال"، أن "السوداني يريد تشكيل تحالف انتخابي كبير يضم كل الأطراف السياسية والمكونات ولا ينحصر في المكون الشيعي، ولهذا هو لديه تحركات على أطراف وشخصيات سنية وكذلك كوردية حتى تكون ضمن تحالفه الانتخابي خلال المرحلة المقبلة".
قوى الإطار "لم تحسم خياراتها"
بعض أطراف قوى الإطار التنسيقي، ومنها كتلة "صادقون" البرلمانية، ترى أن نزول قوى الإطار التنسيقي انتخابات مجلس النواب المقبلة، بأكثر من قائمة انتخابية "تكتيك".
والأمر بالنسبة لـ"العصائب"، ليس خلافاً كما "يريد البعض ترويج ذلك"، لكنه "تكتيك انتخابي"، وفق حديث مع النائب عن "كتلة صادقون"، رفيق الصالحي.
وبالنسبة للصالحي، فإن "فكل تلك القوى سوف تتجمع مجدداً تحت خيمة الإطار كما حدث سابقاً في الانتخابات الماضية أو انتخابات مجالس المحافظات".
ويقول الصالحي لـ"الجبال"، إن "قوى الاطار التنسيقي لم تحسم قرار تحالفاتها الانتخابية حتى الساعة بشكل نهائي، فالمتغيرات موجودة، لكن لا خلاف والكل يعمل على تقوية صفوف ووحدة الإطار التنسيقي خاصة بمرحلة ما بعد الانتخابات لضمان حق المكون الأكبر في تشكيل الحكومة العراقية".
وختم الصالحي حديثه بالقول إن "كتلة صادقون ليس لديها أي تحفظات على التحالفات الانتخابية وكذلك السياسية مع أي طرف سياسي داخل الإطار التنسيقي أو خارجه، كما نحن مع عودة التيار الصدري وليس لنا أي مصلحة انتخابية في استمرار مقاطعة الصدريين للانتخابات".
تيار الحكيم يتحدث عن "قريب عاجل" للتحالفات
ويؤكد تيار الحكمة الوطني، بزعامة عمار الحكيم، انفتاحه على جميع القوى السياسية بشأن تحالفاته الانتخابية المقبلة.
ويقول عضو التيار، أكرم الخزعلي، لـ"الجبال"، إن "تيار الحكمة منفتح على كل القوى السياسية في الإطار التنسيقي وخارجه من أجل تشكيل التحالفات الانتخابية وليس لديه أي فيتو أو تحفظ على أي جهة، والمناقشات مستمرة وماضية مع بعض الأطراف القريبة من توجهات وتطلعات تيار الحكمة، وممكن أن يدفع ذلك إلى تحالفات تعلن في القريب العاجل".
وعن مشاركة التيار الصدري في العملية الانتخابية والسياسية، قال الخزعلي إنه "ضروري جداً ونحن نؤكد على ذلك وكنا من أشد المعارضين لانسحاب التيار، وكذلك نحن الآن من أكثر الداعين لعودة الصدريين، ومكانهم السياسي والاجتماعي مهم ويجب أن يكونوا ضمن الجهات المتصدية للمسؤولية خلال المرحلة المقبلة".
حالة الانقسام "كبيرة".. والمنافسة "شرسة"
أكد أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي، أن الصراع بين القوى الشيعية سيكون هو الأشد خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقال العرداوي، لـ"الجبال"، إن "الصراع ما بين القوى السياسية الشيعية بدأ على أرض الواقع، وكان بدايته خوض تلك القوى الانتخابات بعدد من القوائم الانتخابية، كذلك الهجوم الحاصل على رئيس الوزراء الذي سيكون منافسة شرسة لتلك القوى التقليدية".
وبيّن أن "حالة الانقسام كبيرة جداً ما بين القوى السياسية الشيعية المنضوية تحت الإطار التنسيقي بالكثير من القضايا الداخلية والخارجية، وهذا الانقسام سيدفع نحو اشتداد الصراع كلما اقترب موعد انتخابات مجلس النواب، ونتوقع أن الصراع سيكون هو الأشد خلال المرحلة القليلة المقبلة".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن "القوى السياسية الشيعية تدرك أهمية العملية الانتخابية، خاصة أن طرفاً مؤثراً لا يحصل شيء بتلك الانتخابات، فسوف يخسر نفوذه وقوته، ولهذا الكل سيعمل ويسعى من أجل حصوله على أعلى المقاعد، لضمان بقاء نفوذهم، وهذا سيكون مصدر أساسي للصراع والتنافس الانتخابي".