مع اقتراب موعد تخرّج الطلاب من الجامعات، تجد نفسك في لحظة تصفح عابرة على فيسبوك أو إنستغرام، محاطاً بإعلانات تروّج لبحوث جامعية جاهزة يتضمن مدة إنجاز لا تتجاوز 24 ساعة وأسعار ومغرية مع ضمان الحفاظ على سرية المحتوى. هذه الإعلانات باتت سمة بارزة على منصات التواصل الاجتماعي، وباب تجارة سلس وجريء مُريحا وسلسا وجريء وسط صمت إزاء التداعيات السلبية التي ستلقيها تلك الإعلانات على جودة التعليم وسمعة الشهادات العملية.
الباحث في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، إيهاب عدنان، أكد أن "انتشار ظاهرة بيع البحوث الجامعية الجاهزة على وسائل التواصل الاجتماعي يشكّل خطراً حقيقياً على نزاهة التعليم العالي"، واصفاً الأمر بأنه "ليس مجرد سلوك فردي، بل مظهر لانهيار ثقافة أكاديمية كاملة".
وأوضح عدنان في تصريح لمنصّة "الجبال"، أن "هذه الممارسات تؤدي إلى تخرج أفراد يفتقرون إلى المهارات الفعلية، مما يضعف أداء مؤسسات الدولة لاحقاً، ويضرّ بسمعة الجامعات العراقية دولياً، في وقت تسعى فيه البلاد لتحسين تصنيفاتها البحثية والأكاديمية".
وأشار إلى أن "الذكاء الاصطناعي قد يُستخدم أداة للغش، لكن المشكلة الأساسية ليست في التقنية، بل في البيئة غير المنضبطة التي تتيح استغلالها دون توجيه أو رقابة"، مبيناً أن "منصات مثل ChatGPT قد تُنتج محتوى يبدو أصيلاً، لكنه لا يخلو من معلومات خاطئة أو مضللة، ما يُعرف بهلوسة المحتوى".
في المقابل، بيّن عدنان أن" الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون جزءاً من الحلّ، عبر استخدام أدوات كشف الانتحال، وتعزيز التوعية حول الاستخدام الأخلاقي للتقنيات الحديثة".
لافتاً إلى أن "تحوّل المعرفة إلى سلعة رقمية يُباع ويُشترى بها، تكشف لنا أن هناك أزمة أعمق من الغش. إنها أزمة ثقة وأزمة معنى، لا بد من مواجهتها بتشريعات واضحة، ورقابة رقمية، ووعي مجتمعي".
هل أدى غياب الرقابة الى ممارسة الغش الأكاديمي علناً؟
في وقت سابق، حذّرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من ممارسات الغش الأكاديمي، مؤكدة أن اللجوء إلى طرق غير قانونية في إنجاز المتطلبات الدراسية، كشراء البحوث الجاهزة، يُعد خرقاً للأمانة العلمية ويعرض الطالب للمساءلة القانونية والأكاديمية.
من جانبه، أشار الخبير القانوني محمد جمعة، إلى أن "بيع وترويج البحوث الجاهزة يُعد جريمة احتيال وتزوير يعاقب عليها القانون العراقي، ويمكن تصنيفها ضمن الجرائم الإلكترونية".
جمعة أوضح في تصريح لمنصّة "الجبال"، أن "هذا الفعل يقع تحت طائلة قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، خاصة في مواده المتعلقة بالتزوير وانتحال الصفة والاحتيال"، مؤكدًا أن "استخدام بحوث غير أصلية لأغراض دراسية أو علمية يُعد تزويراً في المحتوى ومساساً بأمانة العملية التعليمية."
وأشار جمعة إلى، أن "الترويج العلني لهذه البحوث على منصات التواصل الاجتماعي، يدخل قانونياً في باب التحريض والمشاركة في سلوكيات غير مشروعة، مما يستدعي تدخلًا من الجهات القضائية والرقابية."
كما بيّن الخبير في القانون العراقي، أن "غياب التشريعات الخاصة بالتعليم الرقمي والرقابة الأكاديمية الفعالة، هو ما سهّل تنامي هذه الظاهرة"، مشدداً على "ضرورة سن قوانين حديثة تواكب تطورات البيئة الرقمية وتضبط العلاقة بين الطالب، والمحتوى، والجهات المنتجة أو المروّجة لمثل هذه الأعمال."
غياب الدوافع الشخصية
عندما يغيب الشعور بالجدوى، وتغيب الرغبة الذاتية في التطوير، يصبح اللجوء إلى حلول سريعة، حتى وإن كانت غير مشروعة، أحد السُبل لإتمام هذه الرحلة، التي غالباً ما تنتهي بصورة تذكارية مُعلقة على الجُدران. هكذا يصف الطالب محمد عبد الله، حالة الكسل التي يعيشها طلاب الجيل الجديد، حيث يقول لمنصّة "الجبال": "نعم، ربما أحد الأسباب الجوهرية التي تدفع بعض الطلبة لشراء البحوث الجاهزة هو غياب الدافع الشخصي الحقيقي نحو التعلّم".
كفاءات هشّة ومؤسسات حكومية معرضة للانهيار
من جانبه، رأى الاستاذ الجامعي المتخصص في الشأن الأكاديمي، أحمد ضياء أن "دخول التكنولوجيا حياة الطلبة بشكل غير منظم ساهم في خلق فجوة معرفية عميقة"، قائلاً: "هناك من بنى معرفته بفضل أدوات التكنولوجيا الحديثة، لكن هناك من فقد البوصلة تماماً، فبات يعتمد عليها كبديل عن الجهد والتفكير. والنتيجة اختلاف شاسع في مستويات الطلبة، وفقدان شبه تام للهوية المعرفية داخل الصفوف".
ويضيف ضياء أن "بعض الأساتذة أنفسهم باتوا غير قادرين على نقل المعرفة بسبب انشغالهم بأنشطة لا علاقة لها بالعملية التعليمية، فضلاً عن غياب القراءة الجدية لديهم، ما يجعلهم غير قادرين على إغناء الطالب معرفياً. في بعض الحالات، بات الطلبة أكثر اطلاعاً من أساتذتهم، وفي حالات أخرى، يلجأ بعضهم إلى شراء رسائل جامعية جاهزة، وهي ليست مجرد مخالفة، بل جريمة معرفية تطال مستقبل جيل بأكمله".
ويحمّل ضياء جانباً من المسؤولية إلى "غياب الرقابة الحكومية وتراخي الإدارات التعليمية في متابعة هذه التجاوزات"، مشيراً إلى أن "بعض الطلبة يلجؤون إلى دول الجوار للحصول على شهادات من جامعات لا يتطلب الالتحاق بها الحضور أو التحصيل الفعلي، مما يجعل هذه الشهادات تفتقر إلى أي قيمة معرفية حقيقية".