دعت وزارة البيئة العراقية، الاثنين 26 أيار 2025، إلى عدم استخدام ملف المياه لتحقيق أهداف سياسية، مشيرة إلى أن الوضع المائي في العراق انتقل من مرحلة "الشحّ" إلى "الندرة".
في السياق: مذكرات تفاهم عراقية - ألمانية لمعالجة الشح وإدارة المياه في 3 محافظات
وقال الوكيل الفني في وزارة البيئة العراقية جاسم الفلاحي، في تصريحات على هامش مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه، وتابعتها "الجبال"، إن "الوضع المائي في العراق انتقل من مرحلة الشح إلى الندرة المائية، وأرجع هذا التراجع غير المسبوق لإيرادات البلاد المائية إلى سياسات دول المنبع، وتغيرات مناخية تمثلت في ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة أدت إلى معدلات مرتفعة في تبخر المياه قادت إلى تقلص رقعة الأرض الزراعية".
ودعا الفلاحي، إلى "عدم استخدام ملف المياه كورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، والتوصل إلى رؤية إقليمية مشتركة تعتمد على توزيع عادل للمياه العابرة للحدود"، مشيراً في الوقت نفسه إلى "وجود تقدم في المفاوضات وعمل اللجان المشتركة مع الجانبين التركي والإيراني".
من جانبه، قال حاتم حميد، مدير عام التخطيط في وزارة الموارد المائية العراقية، إن "حماية مياه نهري دجلة والفرات من التلوث وضمان توزيع عادل للحصص المائية هي مسؤولية مشتركة بين الدول المتشاركة في النهرين".
إقرأ/ ي أيضاً: مستشار رئيس الجمهورية: هدر 60% من الثروة المائية في العراق ونعاني من "مشكلة كبيرة"
وأكد أن "مسؤولين في وزارتي الخارجية والموارد المائية يقومون بالتواصل مع دول المنبع، تركيا وإيران وسوريا، للوصول إلى تفاهمات تقود إلى وضع برامج لتحسين إدارة الموارد المائية في النهرين".
وذكر حميد، أن "الحكومة العراقية وضعت استراتيجية للفترة من عام 2015 إلى 2035 لتنفيذ مشاريع مشتركة بين جهات حكومية معنية بالمياه، شملت وزارات الموارد المائية والكهرباء والزراعة والنفط والإسكان وأمانة بغداد".
وبيّن المدير، أن "ضعف المخصصات المالية أدت إلى تباطؤ تنفيذ المشاريع خلال الفترة الماضية"، مستدركاً بالقول: "خلال السنتين الماضيتين تم تنفيذ مشاريع كبرى من شأنها أن تساهم في تأمين المياه لقطاعات مختلفة".
مهدي القيسي، مستشار وزير الزراعة العراقي، قال بدوره إن "قلة التدفقات المائية من دول الجوار إضافة إلى تراجع كميات الأمطار، انعكس على الوضع الزراعي والبيئي والصحي والمجتمعي في العراق".
وأضاف، أن "تراجع كميات المياه السطحية ومياه الأمطار يضغط على مخزونات المياه الجوفية"، محذراً من أن "الوضع المائي هذا العام حرج للقطاع الزراعي. ولمعالجة هذا الوضع ولترشيد استخدام المياه في القطاع الزراعي تتجه الوزارة نحو تعزيز استخدام تقنيات الري الحديثة والزراعة الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي".
وأعلنت وزارة الموائد المائية، أمس الأحد، أن مخزون المياه في العراق وصل إلى أدنى مستوياته منذ 80 عاماً بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات.
وقال المتحدث باسم الوزارة خالد شمال في تضريح لوكالة "فرانس برس"، وتابعته "الجبال"، إن "النقص في المياه أسوأ من العام 2024، وسيجبر السلطات على تقليص مساحة الأراضي الزراعية المزروعة هذا الصيف".
وأضاف شمال على هامش مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه: "لا يستلم العراق سوى أقل من 40 في المئة من استحقاقه ونستطيع أن نلاحظ منسوب المياه في كل من دجلة والفرات"، مؤكداً أن "الخزين الاستراتيجي كان أفضل في العام الماضي، إذ كان ضعف الموجود حالياً".
وتابع: "في بداية موسم الصيف من المفترض أن يكون لدينا ما لا يقل عن 18 مليار متر مكعب، أما الآن فنحن لدينا حوالى 10 مليارات متر مكعب".
واوضح أنه "خلال 80 سنة لم نحصل على خزين منخفض" بهذا الشكل، مشيراً الى أن "الأمطار هذه السنة كانت شحيحة وحتى الإيرادات المائية من ذوبان الثلوج كانت قليلة جداً، وكل ذلك أثر على الخزين".
ومن أجل ضمان توافر مياه الشرب لـ 46 مليون عراقي، اضطرت السلطات خلال السنوات الماضية إلى تقليص المساحات الزراعية. وقال شمال: "لن نتوسع بالخطة الزراعية الصيفية".
ولفت متحدث الموارد إلى أن "مؤشرات الخطة الزراعية تبنى على ما هو موجود من مياه بالخزين أو الإيرادات، وبما أن الخزين قليل والإيرادات أقل، ستكون الخطة الزراعية هيكلية للحفاظ على أصول النباتات وأصول المزروعات".
وأضاف: "سنحافظ فقط على المساحات الخضراء أو المساحات المثمرة، أي أكثر من مليون ونصف مليون دونم".
وخلال مؤتمر بغداد للمياه، أعلن رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني عن مبادرة إقليمية لحماية نهري دجلة والفرات.
وتهدف المبادرة، بحسب شمال، إلى حشد الدعم الدولي وزيادة الضغط الدبلوماسي على دول الجوار وتشجيع التفاهمات الثنائية مع كل من تركيا وسوريا وايران لضمان حقوق العراق.
وفي وقت سابق، حذّر رئيس لجنة السياسة المائية ومعاون محافظ ذي قار لشؤون التخطيط الاستراتيجي، رزاق العلي، في حديث لمنصة "الجبال"، من تفاقم أزمة الشحة المائية في المحافظة نتيجة التغيرات المناخية المتسارعة التي انعكست بشكل مباشر على المستوى المائي والواقع الزراعي والمعيشي في ذي قار.
وكان عضو مجلس النواب العراقي، حسن وريوش الأسدي قد كشف في تصريح سابق لمنصة "الجبال" أن وزارة الموارد المائية لن تطرح خطة زراعية للموسم الصيفي لعام 2025 بسبب انخفاض الخزين المائي إلى مستويات "حرجة"، لا تكفي حتى لتأمين مياه الشرب، في ظل تفاقم أزمة الجفاف وتراجع الواردات المائية.
وقال الأسدي إن "الخزين المائي الحالي في البلاد لا يتجاوز 9 مليارات متر مكعب، مقارنة بـ26 مليار متر مكعب في العام الماضي، ما يدفع بالوزارة إلى إلغاء الخطة الزراعية الصيفية بالكامل هذا الموسم، حفاظاً على المتوفر من المياه للشرب والاستخدامات الأساسية".
وأشار الأسدي إلى أن "العراق يفقد سنوياً ما يزيد عن 2 مليار متر مكعب من المياه بسبب التبخر، في وقت تتجاوز فيه الحاجة الفعلية لمياه الشرب وحدها 4.5 مليارات متر مكعب، ما يعني أن الخزين الحالي مهدد بالنفاد الكامل خلال الأشهر القادمة".
وذكر البرلماني أن الوزارة تقوم حالياً بتغذية نهر الفرات بمياه راكدة ومالحة من بحيرة الثرثار، "ما يفاقم من أزمة النوعية إلى جانب الشح الكمي"، مشدداً على أن "المفاوضات مع الجانب التركي يجب ألا تقتصر على الكمية فقط، بل يجب أن تشمل نوعية المياه أيضاً، نظراً لتردي ما يصل من المياه عبر الحدود".
الأسدي حذّر من أن "الأزمة المائية باتت تهدد الأمن الإنساني والزراعي في آن واحد"، داعياً الحكومة إلى اتخاذ "خطوات عاجلة" في ملف التفاوض المائي الإقليمي، و"تحقيق العدالة في توزيع الموارد المائية داخلياً، لتفادي أزمة أوسع نطاقاً في صيف 2025".
وبحسب قول البرلماني فإن أكثر المحافظات التي ستكون متأثرة جراء شح المياه هي تلك "الواقعة في ذنائب الأنهر، وهي البصرة وميسان وذي قار".