خاص| عقوبات وتفاهمات وانتخابات وتسويات.. أبرز أسباب تراجع النزاعات العشائرية في ذي قار

10 قراءة دقيقة
خاص| عقوبات وتفاهمات وانتخابات وتسويات.. أبرز أسباب تراجع النزاعات العشائرية في ذي قار (فيسبوك) سجّلت ذي قار واحدة من أطول وأعنف النزاعات العشائرية

هل هو تحالف مرحلي أم نهاية لعصر الفوضى؟

بعد أن تصدّرت محافظة ذي قار مشهد النزاعات العشائرية لسنوات، وامتدت بعض تلك الصراعات إلى فترات تجاوزت العامين، شهدت المحافظة خلال الأشهر الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في عدد هذه النزاعات، ما فتح باب التساؤلات عن أسباب ذلك.

 

هذا التحوّل اللافت في الوضع العشائري والسلوك الأمني يطرح سيناريوهات متعددة حول مستقبل الاستقرار في المحافظة، ويعيد فتح ملف العلاقة بين الدولة والمجتمع العشائري في لحظة دقيقة من تاريخ ذي قار الأمني والاجتماعي.

 

شيخ البو شامة: لا فائدة تُرجى من سفك الدماء

وفي ظل التراجع الملحوظ في النزاعات العشائرية بمحافظة ذي قار، رأى شيخ عشيرة "البو شامة"، نافع الشامي، أن هذا الانخفاض يعود بالدرجة الأولى إلى "فرض هيبة الدولة وتطبيق القانون"، مشدداً على أن هذا النهج يمثل حاجة ملحّة للمحافظة بالتوازي مع الجهود الكبيرة التي يبذلها شيوخ العشائر لاحتواء أي أزمة قبل تفاقمها.

 

وأوضح الشامي في تصريح لمنصّة "الجبال"، أن "العشائر باتت تدرك أن لا فائدة تُرجى من سفك الدماء أو الاعتداء على الممتلكات"، مؤكداً أن "المتضرر الأول والأخير هو المواطن، ومن واجبنا كزعامات عشائرية أن نحاصر أي خلاف ونمنع تطوره سواء بين العشائر أو داخل العشيرة الواحدة".

 

وبينما أشار إلى تطور واضح في مستوى الوعي المجتمعي، أقرّ الشامي، أن "قضية السلاح ما زالت تشكل تحدياً حقيقياً؛ إذ أن السلاح الموجود لدى العشائر بكثافة لا يمكن حصره أو سحبه بالكامل من قبل الجهات الأمنية، لأنه جزء من تاريخ وهوية هذه التجمعات القبلية". 

 

ولفت إلى أن "القانون يمنح المواطن قطعة سلاح مرخصة، لكن الواقع يكشف عن ترسانة غير محصورة".

 

وسبق أن شهدت المحافظة نزاعات استخدمت فيها أسلحة ثقيلة كصواريخ "الكاتيوشا"، وقذائف RBG7، والهاونات، وقد تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط عدد منها في مناسبات مختلفة، ما يعكس حجم السلاح المخزّن داخل العشائر.

 

شيخ "البو سعد": تفاهمات لوقف التصعيد 

الى ذلك، أكّد عبد الهادي موحان شيخ عشيرة "البو سعد"، أن "النزاعات العشائرية التي شهدتها محافظة ذي قار خلال الفترة الماضية تعود إلى جملة من الأسباب في مقدمتها الانفلات الأمني وغياب هيبة الدولة، ما أدى إلى فوضى عامة أسهمت في تزايد هذه الظاهرة".

 

وقال موحان في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "المرحلة الماضية شهدت استباحة الدوائر الحكومية من قبل من وصفهم بـ(أصحاب الستوتات)، مما أساء بشكل كبير للمؤسسات الخدمية وضعف سلطة القانون، وفتح الباب أمام تنامي النزاعات العشائرية" مشيراً إلى أن "عودة الاستقرار واستتباب الأمن بقوة القانون كان أحد أهم العوامل في تقليص حدة هذه النزاعات".

 

وأوضح، أن لجنة حكومية شكّلت بقرار ديواني من رئيس الوزراء قبل أكثر من عامين، تضم كلاً من المستشار محمد عباس العريبي والشيخ محمد الصيهود، بالإضافة إليه شخصياً، "عملت على فضّ النزاعات في جنوب العراق ونجحت في تحقيق تفاهمات مع العديد من العشائر لوقف التصعيد والاحتكام إلى الحلول السلمية"، خاصة وأن رئيس الوزراء ينحدر من الجنوب، ما يستدعي بحسب موحان، "تكاتف الجميع لدعم جهود الحكومة في بسط القانون".

 

وأشار إلى أن "من أبرز النزاعات التي تم التدخل فيها وحلّها هي تلك التي وقعت بين عشيرتي الرميض وآل عمر، وأخرى بين عشيرتي عتاب وبني ركاب"، مؤكداً أن "اللجنة لعبت دوراً محورياً في إيقاف نزف الدماء وإعادة الهدوء، إضافة إلى معالجة نزاعات أخرى في مناطق المساوة والعمارة".

 

وفيما يتعلق بانتشار السلاح بين العشائر أوضح موحان، أنه "لا توجد عشيرة اليوم دون سلاح. ويجب ألا نغفل دور العشائر خلال فترة مواجهة داعش، حيث هبّت بالسلاح دفاعاً عن الوطن بسلاحها، لذا من غير الممكن وصف كل سلاح بأنه منفلت".

 

من جانبها، أطلقت الحكومة العراقية متمثلة بوزارة الداخلية مبادرة "حصر السلاح بيد الدولة"، بواسطة تسجيله بشكل رسمي عبر منصة إلكترونية وهي "بوابة أور" يمكن من خلالها إدخال المواطن معلوماته كي يمكن للقوات الامنية التواصل معه وتسجيل سلاحه الشخصي وله الحق بسلاح واحد.

 

تسوية أوضاع الأسلحة

في السياق، كشف مصدر في شرطة محافظة ذي قار عن نتائج أولية لبرنامج "حصر السلاح بيد الدولة" الذي يهدف الى "تعزيز الأمن المجتمعي" في المحافظة.

 

ووفقًا للمصدر الذي صرّح لمنصّة "الجبال"، فقد تم تسجيل أكثر من 1300 قطعة سلاح لغاية شهر أيار 2025، من قبل مواطنين بادروا طوعاً لتسوية أوضاع أسلحتهم وتوثيقها رسمياً لدى الجهات المختصة عبر بوابة أور الإلكترونية، في خطوة وُصفت بأنها إيجابية وتشير إلى تصاعد مستوى الوعي الأمني.

 

وأشار المصدر إلى، أن "العملية تمت بإشراف لجنة مشتركة من الجهات الأمنية ضمن خطة أوسع تتبناها الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة".

 

"جناح شعبي في الانتخابات"

من جانبه أوضح الباحث السياسي صلاح الموسوي، أن "الدولة اعتمدت على العشائر كجناح شعبي داعم خصوصاً في فترات الانتخابات حيث تمثل قوة صوتية مؤثرة بل وحتى قوة ضاربة عند الحاجة (كما حصل في عمليات التحرير عندما انضم الآلاف من أبناء العشائر تحت لواء الحشد الشعبي".

 

إلا أن الموسوي حذّر من "الخطر الكامن في السلاح غير المنضبط. إذ أن بعض الحوادث السابقة، كاغتيال ضباط كبار أثناء محاولاتهم فضّ نزاعات عشائرية تؤكد أن العشائر يمكن أن تتحول إلى تهديد فعلي للأمن الوطني، إذا لم تُضبط العلاقة معها بحزم".

 

ودعا الموسوي إلى "تحييد الاعتبارات السياسية وفرض القانون بقوة مع حصر السلاح بيد الدولة وعدم التهاون مع أي جهة تمتلكه خارج الإطار الرسمي"، مشدداً على أن "الأمن يجب أن يبقى أولوية لا تخضع للمساومات".

 

أمنيون "بولاءات عشائرية"

الباحث شهد غالب الربيعي، يرى في ورقة بحثية اطّلعت عليها منصة "الجبال"، أن "تفاقم النزاعات العشائرية في العراق يعود إلى جملة من الأسباب المعقدة يأتي في مقدمتها انتشار السلاح وتناميه داخل المجتمع، وسهولة الحصول عليه من أسواق غير نظامية خارج رقابة الدولة".

 

وأشار الربيعي إلى، أن "بعض هذه النزاعات تتفاقم بفعل ضعف التعاون من قبل عناصر في الأجهزة الأمنية الذين يتأثرون أحياناً بولاءات عشائرية أو علاقات شخصية تربطهم بشيوخ العشائر وهو ما يعرقل تطبيق القانون خاصة في ظل التدخلات الحزبية التي تضفي ثقلاً سياسياً على تلك الخلافات، وتحدّ من قدرة القوات الأمنية على فرض النظام".

 

وأوضح الربيعي، أن "الفقر والبطالة يمثلان عاملاً لا يقل خطورة، حيث يؤدي غياب فرص العمل إلى خلق فراغ نفسي واجتماعي لدى بعض الشباب، يدفعهم للانخراط في صراعات عشائرية كوسيلة للتنفيس أو لتأمين موارد مالية بطرق غير مشروعة"، كما حذّر الباحث من "الدور المتنامي لانتشار المخدرات، والتي تسهم في تأجيج العنف بين بعض الأفراد وتزيد من حالات الانفلات".

 

وفي ما يتعلق بطبيعة النزاعات، أشار الربيعي إلى، أن "الخلافات غالباً ما تنشأ بسبب نزاعات على الأراضي الزراعية أو مشاكل تتعلق بتقاسم المياه أو خلافات مالية وميراثية وهي قضايا تتكرر باستمرار وتتحول في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة نتيجة غياب الحلول القانونية السريعة والحاسمة".

 

تراجع النزاعات العشائرية

الى ذلك، أكد مدير شؤون العشائر في محافظة ذي قار العميد قاسم السعيدي، أن "النزاعات العشائرية شهدت تراجعاً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة لتكثيف الجهود الأمنية وحرص شيوخ العشائر على احتواء الخلافات قبل تفاقمها".

 

وأوضح السعيدي لمنصّة "الجبال"، أن "فرض هيبة القانون وتعاون وجهاء العشائر للحدّ من النزاعات، أسهما بشكل فاعل في تقليص أعدادها"، مشيراً إلى أن "العام 2023 سجّل نحو 158 نزاعاً عشائرياً فيما انخفض العدد في عام 2024 إلى حوالي 150 نزاعاً أما خلال الثلث الأول من عام 2025، فقد تم تسجيل 25 نزاعاً فقط، ما يعكس اتجاهاً واضحاً نحو الانخفاض".

 

ووصف السعيدي هذا التراجع بـ"المؤشر الإيجابي الذي يدل على تعاظم الوعي المجتمعي، ونجاح الإجراءات الحكومية في بسط الأمن وتفعيل أدوات المصالحة الاجتماعية".

 

وسجّلت محافظة ذي قار واحدة من أطول النزاعات العشائرية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بين عشيرتي الرميض وآل عمر في قضاء الإصلاح شرقي المحافظة، والذي امتد لما يقارب 25 شهراً قبل أن يُحسم بتدخل مباشر من المرجعية الدينية في النجف ورئيس الوزراء.

 

النزاع أسفر عن قتلى من بينهم ضابط في جهاز الأمن الوطني هو نجل شيخ عشيرة آل عمر، و30 جريحاً، حيث تم استهداف الضابط عند مدخل قضاء الاصلاح أثناء عودته إلى منزله. وانتهى النزاع باتفاق عشائري تضمن دية مالية بلغت ملياراً و200 مليون دينار، مع تعهد من الطرفين بإعادة التعايش السلمي، وفق شروط قضائية صارمة.

 

العقوبات الصارمة

أستاذ العلوم السياسية نجم الغزي، يجد أن "ما تشهده الساحة من نزاعات عشائرية لا يعدو كونه فورة مؤقتة وليست هناك أطراف خفية تفتعل الأزمات كما يعتقد البعض"، مشيراً إلى أن "بعض العشائر لا تزال تؤمن بنظرية المؤامرة في تفسير تلك الأحداث".

 

وقال الغزي في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "التفكير السائد لدى بعض الأطراف تتبنى نظرية المؤامرة كأسلوب تفسير دائم، رغم أن الواقع لا يشير إلى وجود مخطط ممنهج وراء تلك النزاعات".

 

وأكد الغزي، أن "الخوف الحقيقي لدى البعض والذي أسهم في الحدّ من هذه النزاعات، هو عودة الدولة إلى فرض القانون وهيبته"، لافتاً إلى أن "وزارة الداخلية بدأت بالفعل بفرض عقوبات صارمة بحق المتسببين في النزاعات، ما ساهم في تقليصها بشكل ملحوظ".

 

كما أشار إلى أن "وسائل الإعلام بدأت تلعب دوراً مؤثراً من خلال تسليط الضوء على هذه الأحداث وتحويلها إلى قضايا رأي عام، وهو ما يوصف برسائل مباشرة توجّه إلى المناطق والعشائر مفادها أن الدولة بدأت تتخذ مواقف حازمة".

 

وختم الغزي بالقول "كلما قويت الدولة ضعفت النزاعات والمواقف الخارجة عن القانون" مؤكداً أن "استعادة قوة الدولة هي المفتاح لإنهاء الفوضى وضمان الاستقرار الاجتماعي".

 

 

الجبال

نُشرت في الاثنين 26 مايو 2025 07:30 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.