كشف السياسي العراقي والقيادي في المتحدون خالد الدبوني، عن السبب الأول والرئيس لسقوط الموصل بيد تنظيم داعش عام 2014، مشيراً إلى أجندات خارجية وأخرى داخلية تقف بوجه عمل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني لمكافحة الفساد.
الدبوني وفي مقابلة خاصة أجراها مع منصة الجبال، تطرق إلى الأوضاع السياسية الراهنة في العراق تزامناً مع توترات العسكرية المتصاعدة بالمنطقة، ومستقبل البلاد، ودور الفصائل المسلحة فيه.
وقال الدبوني إن "الواقع الحالي، ومنذ 20 سنة، كان يتوقع أن يحدث تغييراً نحو الأحسن، لكن من جاء إلى السلطة لم يكن يحمل عقلية بناء الدولة، وأن أكثرية السياسيين العراقيين كانوا يحملون ثقافة الانتقام للتعويض عن سنوات الحرمان والمعاناة التي عانوها، ربما كان ذلك مفهوماً، لكن كان يفترض أن نغادر هذه العقلية بعد سنة أو سنتين أو خمس سنوات سعياً لبناء الدولة الحديثة لكل الأطياف"، مستدركاً: "لم نفعل ذلك، وبقينا في حال شد وجذب بين الأحزاب والقيادات السياسية".
"منذ 20 سنة وحتى الآن نحن أمام حلقة مفرغة بين بغداد واربيل، بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كوردستان"، وإن "ما يحدث هو على حساب الشعب" و"الثقة القليلة الموجودة بين السلطة والشعب تذهب إلى التصفير"، والكلام للسياسي العراقي.
يؤكد الدبوني في مواقفه على الفساد "كمرض ينخر في العراق"، ويقول إن "الفساد المستشري في العراق يحظى بدعم الأحزاب والفصائل المسلحة، وإن حجم الفساد وسطوة الفاسدين تتجاوزان قدرة مؤسسات الدولة".
في هذا الإطار" قال للجبال إن "الواقع الحالي هو عبارة عن هيمنة لأحزاب السلطة، والبحث عن مزيد من المكاسب والمغانم لها من الدولة، وتقوية وزيادة نفوذها وزيادة والهيمنة على مفاصل الدولة من خلال هذه المشاريع"، مشيراً أن "التناغم الذي أصبح مسيطراً على الدولة هو التناغم بين الفشل والفساد، منظومة الفشل والفساد أخذت حجماً كبيراً الآن في الهيمنة على مفاصل الدولة وهي التي تقرر السياسة".
لم ينكر الدبوني وجود شخصيات سياسية تحاول كسر هذا الطوق، قائلاً: "أمامنا رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ببرنامجه الحكومي كثير من المعالجات لهذه التحديات وهو يحاول أن يصل إلى الطريق الصحيح بهذه المعالجات، لكن يصطدم بالأحزاب والأطراف التي لا تريد لهذا الطريق أن يبدأ. يصطدم بأجندات خارجية وأخرى داخلية، الداخلية منفّذة للأجندات الخارجية".
يرى السياسي العراقي أن الفساد تسبب بأزمات كبيرة للعراق، ومنها سقوط الموصل بيد داعش، وفي هذا السياق قال إن "نكبة الموصل لم تأت بين ليلة وضحاها، وهي تراكمات لكل الممارسات الفاشلة التي جرت وتحديداً بعد 2008، بهيمنة طرف معيّن بذاته على العملية السياسة وتحوله لحزب حاكم"، مشيراً أن "كل الممارسات السيئة التي كانت تجري في الموصل بين 2010 و2014 كانت تجري بعلم الدولة، والدولة تغاضت عنها لم تعارضها أو تكافحها". وأضاف "أهل الموصل كانوا بين المطرقة والسندان (مطرقة الأجهزة الأمنية والعسكرية والفساد والابتزاز والمساومة والاعتقالات العشوائية والمخبر السري) و(سندان الإرهاب بمختلف المسميات)، بالمحصلة فقدت المدينة ثقافة النظام والقانون والدولة"، مبيناً أن "المواطن الموصلي كان يحمل طيلة التاريخ ثقافة الولاء للدولة، كونه مجتمع مدني منذ 6 آلاف سنة، ويؤمن بالرعاية الأبوية للدولة".
وقال الدبوني إنه مثبت في إفادات كل القادة العسكريين والسياسيين أن "الفساد كان العامل الرئيس والأول لظهور داعش وانتشاره وسقوط 25 مدينة عراقية بيده".
وفيما يتعلق بموقع الفصائل المسلحة على الساحة العراقية، أشار السياسي في حديثه إلى أن "الفصائل المنفلتة خارج إطار الدولة واقع موجود، وشاهدنا خلال السنة الماضية وجود الفصائل خارج الحدود، مع وجود فصائل شرعية ضمن هيئة الحشد الشعبي، وهذه هي الشعرة القصيرة بين الدولة واللادولة"، مردفاً: "وإذ ما عدنا إلى الدولة ورجالات الدولة التي جاءت بعد انتخابات 2021، هي تحاول أن تفرض الشرعية وقانون الدولة على الجميع، والواقع الذي كان موجوداً عام 2014 تراجع كثيراً بعد تحرير الموصل والمناطق الأخرى التي كانت خاضعة للإرهاب. الرؤية اختلفت والأغلبية اقتنعوا بأنه لا خيار إلا بالتعايش ضمن مظلّة الدولة والعودة إلى الدستور وإلى العقد السياسي الرابط بين الأحزاب السياسية".
وفقاً لكلام الدبوني فإن "الدولة فرضت نفسها، لكن إلى جانب الدولة يوجد الظل والمكاتب الاقتصادية والدولة العميقة والفصائل الداعمة للمكاتب الاقتصادية، والتخادم ما بينها مازال موجوداً".
وعن مستقبل الفصائل، ذكر "هناك تراجع كبير في ملف الفصائل المسلحة خصوصاً بعد المتغيرات الإقليمية الكبيرة التي حدثت، في جنوب لبنان، وفي سوريا، هذه كلها أضرّت كثيراً بجانب الفصائل التي لا تمثل الدولة، ولا بد أن ننتظر ما سيحدث إقليمياً ودولياً، هناك (المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة- الحرب الروسية الأوكرانية- الوضع في إفريقيا والأزمات بدول المغرب - وسوريا والتغيير والانفراج السياسي والاقتصادي فيها) له تأثير على الواقع العراق".
تناول السياسي العراقي في حديثه عمل السلطة القضائية أيضاً، وقال إن "القضاء العراقي أصبح أكثر قوة واتزان مقارنة لما قبل 2014، كثير من التحديات استطاع القضاء العراقي حلها والتخلص منها، لكن بنفس الوقت هناك مراكز قوة لا تزال تهيمن على بعض مفاصل السلطة القضائية وبعض الملفات، والقضاء يحاول جاهداً التخلص من هذه الآفات بالقانون"، لافتاً أن "القضاء أصدر قرارات كثيرة، لكن الخلل لدى الجهة التنفيذية التي تقوم بتنفيذ تلك القرارات".
اختتم الدبوني كلامه للجبال بقول: "نحن بحاجة إلى عقد سياسي واجتماعي جديد يجمع كل الأطراف المتخاصمة، من خلاله سيتم حل الثغرات الموجودة في الدستور والعملية السياسية".