700 ضحية وعين على 1.5 مليار دولار.. البصرة تستغيث من الألغام

7 قراءة دقيقة
700 ضحية وعين على 1.5 مليار دولار.. البصرة تستغيث من الألغام (تعبيرية/ مواقع التواصل)

ما تزال محافظة البصرة تواجه إرثاً ثقيلاً من الألغام والقنابل غير المنفلقة التي خلفتها الحروب على مرّ السنين، إذ أن تلك المخلفات "تعمل على تقييد الحركة التنموية وتُهدد حياة السكّان بشكل يومي"، كما تُعد البصرة، وفق إحصاءات محلية ودولية، الأكثر تلوّثاً في العراق من حيث انتشار الألغام والقنابل العنقودية والمخلفات غير المنفجرة.

 

ومنذ عام 2003 وحتى مطلع عام 2025، سُجّل في البصرة أكثر من 700 ضحية بين قتيل وجريح جرّاء انفجارات ناتجة عن ألغام أرضية ومخلّفات حربية غير منفلقة، ولا تزال هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع في ظل غياب المسح الدقيق وعدم اكتمال خرائط التلوث.

 

وبحسب إحصائيات محليّة، تُقدّر المساحات الملوّثة في البصرة بـ1200 إلى 1250 كيلومتراّ مربعاّ، بينها نحو 925 كيلومتراّ مربعاّ مصنفة رسمياّ كحقول ألغام، تشمل أنواعاّ مختلفة من الذخائر مثل الألغام المضادة للأفراد والدبابات والقنابل الجوية والعنقودية، إلى جانب مخلّفات الحروب السابقة، لا سيما الحرب العراقية الإيرانية والعمليات العسكرية التي تلتها.

 

وتتوزع المناطق الملوثة على مختلف أجزاء المحافظة، حيث تُعد ناحية السيبة من أكثر المناطق خطورة، يليها قضاء أبي الخصيب الذي يضمّ مساحات واسعة لم تُطهر بعد. كما أن حقول الرميلة الشمالية والجنوبية لا تزال مملوءة بمخلفات خطرة تعيق الحركة والتوسع. أما في أقصى الجنوب، فتبرز مناطق الفاو والسواحل القريبة منها بوصفها من أكثر البيئات البحرية الملوثة نتيجة العمليات العسكرية القديمة.

 

ضحية من قلب الحقل

 

حسين عبد الله، شابّ من شمال البصرة، يتحدث لمنصّة "الجبال" عن لحظة غيّرت حياته إلى الأبد، وذلك عندما كان يرعى أغنامه في أرضه التي ألفها منذ نعومة أظفاره، لم يكن يعلم أن تلك الأرض تحمل في جوفها خطراً صامتاً.

 

يقول حسين، "كنت أسير في أرض خاصة لرعي أغنامي، وفجأة وقع تحت أقدامي لغم مدفون، قلب حياتي رأساً على عقب. حيث خسرت ساقي وبدأت أشعر بثقل المصير الذي حمله اللغم معي".

 

لم يكن الألم الجسدي وحده ما يؤلم حسين، بل الوحدة والحرمان من الدعم والرعاية. لقد بات حبيس كرسي متحرك، يتنقّل بين جدران الحزن والصمت، بلا أمل يلوح في الأفق.

 

وفي تصريح خاص لمنصّة "الجبال"، قال عضو مجلس محافظة البصرة نوفل المنصوري، إن "البصرة بحاجة إلى تمويل يتراوح بين مليار إلى 1.5 مليار دولار لإكمال عمليات التطهير"، مؤكداً أن "هذا الرقم تقديري وقد يكون أقل من الواقع، نظراً لعدم توفر خرائط دقيقة حتى الآن توضح حجم التلوث ونوعه وتوزيعه".

 

وأشار المنصوري إلى أن "ضعف التمويل الحكومي والاهتمام المحدود بهذا الملف جعلا عمليات التطهير محصورة بالشركات النفطية فقط، التي تُجري عمليات مسح وإزالة ضمن حدود استثماراتها في مناطق مثل الزبير والرميلة ومجنون".

 

وفي قطاع الطاقة، تمثل الألغام والمخلفات الحربية عقبة كبيرة أمام مشاريع توسعة الحقول النفطية، حيث تتحمل الشركات الأجنبية والمحلية تكاليف أمنية إضافية لتأمين سلامة عمالها عبر التعاقد مع شركات متخصصة بإزالة الألغام. كما تسبب هذا التحدي بتأخير مشاريع استراتيجية في مناطق مثل الرميلة ومجنون والزبير.

 

أما في قطاع الزراعة، فقد أدى التلوّث إلى حرمان مئات آلاف الدونمات من الاستغلال، خاصة في مناطق مثل شط العرب وسفوان والبحار، ما يهدد الأمن الغذائي ويدفع باتجاه مزيد من الاعتماد على الاستيراد. كما تسببت هذه المخاطر بهجرة عدد كبير من المزارعين، تاركين قراهم وأراضيهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع الزراعة في الريف الجنوبي بشكل ملحوظ.

 

مشاريع تنموية مجمّدة في انتظار الأمان

 

ولا توجد حتى الآن أرقام دقيقة حول عدد المشاريع التنموية المتوقفة بسبب التلوث، لكن مسؤولين محليين يؤكدون أن "عشرات المشاريع الاستثمارية والزراعية، خصوصاً في المناطق الحدودية، قد أُجّلت أو أُلغيت نتيجة وجود ألغام ومخلفات حربية تعيق التنفيذ".

 

ويختم المنصوري تصريحه قائلاً: إن "المشكلة لم تعد فقط أمنية أو صحية، بل تحوّلت إلى ملف تنموي مركزي، لا يمكن الحديث عن إعمار حقيقي في البصرة دون معالجة هذا الخطر الممتد فوق الأرض وتحتها".

 

وفي نيسان/ أبريل الماضي، كشفت دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة العراقية، تطهير ثلثي المساحة الملوّثة بالألغام في أنحاء العراق التي تقدّر بـ6 آلاف كيلو متر مربع، مشيرة إلى أن "عقبات" تواجه عملية التطهير، والتي أبرزها فقدان خرائط الألغام المزروعة على حدود محافظة البصرة إبان حرب الخليج الأولى عام 1980.

 

مدير إعلام دائرة شؤون الألغام، مصطفى حميد مجيد، ذكر في تصريح صحفي تابعته "الجبال"، أن "المساحة الملوثة بالألغام في عموم العراق تبلغ 6 آلاف كيلو متر مربع، وأن أكثر من ألفي كيلو متر بقليل هو المتبقي من المساحة الملوثة بالألغام"، مشيراً إلى أنه "بجهود الدائرة والمنظمات الدولية والدول الصديقة تم تطهير أغلب الأراضي من هذا التلوث".  

 

ولفت مجيد إلى أن "الوزارة بحثت مع الجهات المعنية تطهير مقطع طريق سكة حديد بصرة – شلامجة، استكمالاً لمشروع التطهير"، مبيناً "وجود تحديات واجهت برنامج الإزالة على مستوى الإمدادات المالية وتعثرها، والحرب مع تنظيم داعش، والسيول والانجرافات التي نجم عنها ما يسمى بـ(هجرة الألغام) وتحرك حقولها بفعل هذه الظواهر".

 

وأكد أن "نصف التلوّث بالألغام موجود في محافظة البصرة، لاسيما الذخائر الحربية المطمورة في المحافظة، بعد أن كانت مسرحاً للعمليات العسكرية إبان حرب الخليج الأولى عام 1980"، وبحسب قوله فإن "طمر الذخائر الحربية يحصل بسبب الانجرافات والسيول وحركة الرمال".

 

وأوضح مجيد في معرض حديثه عن التحديات، قائلاً: إنه "ما زاد الأمر تعقيداً هو فقدان الخرائط المتعلقة بحقول الألغام التي زُرعت إبان الحرب على حدود محافظة البصرة، ما يمثل عقبة وتحدياً كبيرين أمام أعمال الإزالة"، مبيناً أن "دائرة شؤون الألغام تكلف وزارتي الدفاع والداخلية، فضلاً عن الشركات التجارية، في ما يتعلق بعملها مع وزارة النفط والكهرباء، أو المنظمات الإنسانية لمساعدتها في أعمال إزالة الألغام".

 

وأضاف مجيد أن الدائرة أشرفت مؤخراً على تطهير وإزالة الألغام القريبة من "المشروع الستراتيجي للبتروكيمياويات" في قضاء الزبير بمحافظة البصرة، على مساحة 4500 دونم، والقريبة من طريق التنمية، مشيراً إلى أنه "أنجزت المهمة من قبل ملاكات وزارتي الدفاع والداخلية والحشد الشعبي، فضلاً عن منظمة البصرة الإنسانية التي أجرت أعمال السيطرة النوعية على المشروع بشكل مجاني".

 

 

الجبال

نُشرت في الجمعة 4 يوليو 2025 12:40 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.