"الجرّاح" الأميركي في المشهد السياسي العراقي

4 قراءة دقيقة
"الجرّاح" الأميركي في المشهد السياسي العراقي ائتلاف "إدارة الدولة" (موقع رئاسة الجمهورية العراقية)

إذا قام الأميركيون، حسب تصريح أخير من رئيس الحرس الثوري الايراني السابق محسن رضائي، باغتيال 30 شخصية شيعية خلال الفترة المقبلة، أو قاموا بعمليات "جراحية" على وفق سيناريو ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، لاغتيال بعض الشخصيات داخل العراق، فهذا في كلّ الأحوال سيناريو سيء بالنسبة للعراق، ويعني فشلاً ذريعاً للطبقة السياسية الحاكمة في انجاز الاصلاحات الضرورية لتجنّب ضربات من هذا النوع، تدخلها في مأزق أمام جمهورها، وتعرّي صورة العراق أمام العالم، باعتباره بلداً ذا سيادة وحكومة مسؤولة قادرة على الحفاظ على مصالح البلد وتجنيبه الصراعات التي لا تمثل مصالح حيوية للشعب العراقي.

 

الشيء الأسوأ؛ أن سيناريو التدخّل الأميركي لتحريّك العجلة المتوقفّة في المشهد السياسي العراقي اليوم، يذكّرنا بما حدث في 2003، حيث كانت العجلة متوقّفة أيضاً، وليست هناك إمكانية "داخلية" لاصلاح النظام أو تغييره، وكان الكلّ "مواطنين ونخباً سياسية معارضة" ينتظر تدخّلاً خارجياً، وهذا ما حدث.

 

إن اللحظة التي ستنزل فيها صواريخ المسيّرات أو الدرونات على شخصيات سياسية أو مسلّحة، هي لحظة اعلان عن موت النظام السياسي، على وفق الوعود التي قام عليها ما بعد 2003. وهي وعود كانت تتطلّع الى سلطة مؤسّسة على دستور وقوانين تمثّل مصالح جميع العراقيين، لتنشيء نظاماً ومؤسسات قويّة تحفظ سيادة البلد.

 

فرض الأميركيون الشكل العام لنظام ما بعد 2003، باعتبارهم القوّة الأكبر على أرض الواقع داخل العراق حينها، وساهمت النخب السياسية والدينية والاجتماعية العراقية في "تشغيل" هذا النظام الجديد، وجعله صالحاً للديمومة، ويستغني، بالضرورة، عن سلطة الاحتلال تدريجياً.

 

إن المنتهى الذي يصل إليه وعد 2003 هو الحصول على السيادة الكاملة واستقلال القرار السياسي والأمني والاقتصادي، وأيضاً؛ بناء مؤسسات قويّة تحفظ الحقوق الأساسية للمواطنين، وتجعلهم مساهمين في القرار العام وفي صناعة مجتمع قويّ، اقتصادياً واجتماعياً.

 

ما انتهى اليه هذا الوعد هو بالضدّ من ذلك تماماً، فالمجتمع العراقي اليوم ضعيف جدّاً، يعتمد في معيشته بشكل كبير على موارد الدولة النفطية، وتهيمن الجماعات المسلّحة على قراره الأمني والسياسي، وتقع سيادته تحت أقدام دول إقليمية ومصالح دول عالمية.

 

سيشعر الكثير من العراقيين بكلّ تأكيد بالحريّة، إن أزاحت الادارة الأميركية رؤوس المليشيات وقضت عليهم، ولكن هذا سيجعل أميركا، مرّة أخرى، هي صاحبة البوصلة في المشهد السياسي اللاحق. وأميركا 2003 ليست أميركا 2025.

 

إن إدارة ترامب صرّحت، وعلى لسان رئيسها، أكثر من مرّة، بأنها غير معنية بفكرة إنشاء الأمم (nation building)، وأن الجمهوريين أخطأوا حين فعلوا ذلك في أفغانستان والعراق. وبدلاً من ذلك على أميركا أن تفكر بمصالحها فحسب.

 

ومن مصلحة أميركا اليوم أن لا تنشغل كثيراً بشؤون الشرق الأوسط، وأن تدّخر طاقتها لمواجهة الصين. وليس مراقبة ملف حقوق الانسان في الشرق الأوسط، أو دعم الديمقراطيّة، وهذا واضح تماماً من سياسة الادارة الاميركية الحالية.

 

إن كانت النخب السياسية العراقية تشعر حقّاً بالمسؤولية الوطنية، فعليها أن تدافع عن النظام الديمقراطي في العراق، وتحاول تفعل ملف الحريّات، وأن تدعم حقوق الانسان، ضد تغوّل الجماعات المسلحة، وأن تقوم بواجبها الدستوري في تصفية الخارجين على القانون والجماعات الاجرامية التي تتغطّى بالدولة وسلاحها، وأن لا تنتظر "الجرّاح" الأميركي لكي يفعل ذلك، فهو إن فعل فسيكون صاحب السطوة الفعلية في تشكيل المشهد السياسي اللاحق، الذي قد لا يكون في صالح تطلعات الشعب العراقي.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الجمعة 11 يوليو 2025 11:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.