تعامل بغداد مع رواتب موظفي الاقليم والآثار العكسية

6 قراءة دقيقة
تعامل بغداد مع رواتب موظفي الاقليم والآثار العكسية (تعبيرية/ أرشيف)

بعد ثلاثة أشهر من التأخير، أخيراً بادرت وزارة المالية الاتحادية بتمويل رواتب موظفي الإقليم عن طريق تسليم ( 974) مليار و(813) مليون دينار عراقي إلى حساب وزارة المالية في الإقليم، لتقوم هي بدورها بتوزيعها على الموظفين في الإقليم.

 

وهذا الدفع المتأخر الذي أثقل كاهل موظفي الإقليم جاء بعد أن ادعت وزارة المالية العراقية بشكل مفاجئ قبل ثلاثة أشهر، أن صندوق الإقليم المخصص لرواتب موظفيها قد نفذ، ولا يوجد في حساب الإقليم دينار واحد لكي نُمول بها رواتب الموظفين.

 

ولكن بعد ثلاثة أشهر، وبعد أن عانى الموظف ما عان، وبقدرة قادر، امتلأ صندوق الإقليم فجأة ولم يعد هناك مشكلة باسم نفاذ حساب الميزانية المخصصة لموظفي الإقليم!.

 

طبعا الإقليم رفضت منذ البداية هذه الحجة المفتعلة واعتبرها تحجيج إداري مالي بهدف سياسي، الغرض من ورائه خلق المشاكل داخل الإقليم وإشعال نار الفتنة والاحتجاج بين المواطنين والحكومة وبالتالي إضعاف الإقليم ككيان وفرض الشروط عليه.

 

وحيث أن هذا التأخير ليس هو الأول بل هو سياسة متبعة من قبل الحكومة الاتحادية والقوى النافذة في بغداد، فمن الواضح أن القصد من ورائه هو نيل مكاسب سياسية وإضعاف الإقليم، و لا يُستَبعد أن تكون من وراء هذه السياسة جهات متنفذة داخل وخارج العراق، كما يُفسّر في إقليم كوردستان.

 

طبعاً في كل مرة أو في كل شهر تتأخر فيها الحكومة الاتحادية في دفع رواتب موظفي الإقليم تَحتجُ بأسباب مختلفة، من أسباب فنية إلى قانونية، مثل عدم التزام السلطات في الإقليم بدفع مستحقات الحكومة الاتحادية المالية التي تقع على عاتقها، من مستحقات نفطية وغير نفطية، مثل إيرادات المنافذ الحدودية، طبعاً الإقليم أيضاً لديه حجته و تبريره و أجوبته على كل هذه الاتهامات.

 

ورغم وجود اتفاقات بين الجانبين على مستوى رئاسة الوزراء لحسم هذه الخلافات، خاصة بعد مجيء مسرور بارزانى ومحمد شياع السوداني إلى رئاسة الحكومة، وأيضا مع وجود قرار من المحكمة الفدرالية العراقية بأن رواتب موظفي الإقليم يجب أن تُكفّل ولا تكون ضحية للخلافات السياسية، إلا أن الخلافات والاختلافات لا تزال تُشكِل عائقاً أمام استلام الموظف في الإقليم حقه المشروع كل شهر، أسوة بباقي الموظفين في العراق.

 

طبعا المتضرر من هذه الدوامة المتكررة الموظف في الاقليم بالدرجة الأولى، وأيضا حكومة الإقليم؛ لأنها أيضاً باتت هدفاً للنقد والاستهجان من قبل مواطنيها، وقد أدت هذه الحالة بالفعل إلى إيجاد خلل في توازن الأمور الإدارية والسياسية في الإقليم. وهذا هو الهدف من كل ما يحصل، مثل ما يراه البعض هنا في الإقليم.

 

بدايات المشكلة والانعكاسات

طبعا لا يوجد بحسب الدستور والأعراف الإدارية المتبعة بعد 2003 بين الإقليم والحكومة الاتحادية، أي نص ينص على أن رواتب موظفي الإقليم يجب أن تُسدَّ من قبل الحكومة الاتحادية بل المُثبت والمتبع منذ إنشاء إقليم كوردستان بحسب دستور 2005، أن للإقليم حصة من ميزانية العراق، والإقليم هو الذي يقوم بدفع رواتب موظفيه من هذه الحصة، ولكن الذي حصل مثل ما هو معروف فإن حصة الإقليم قد قُطعت منذ 2014 بقرار من رئيس وزراء العراق آنذاك نوري المالكي، بحجة بيع نفط الإقليم من قبل المسؤولين هناك مستقلاً عن بغداد.

 

ومنذ ذلك الحين، فإن التجاذبات المالية والخلافات السياسية والقانونية بين الطرفين قد بدأت ولا تزال، و لكن الملاحظ أن الإقليم رغم تضرره من هذه الحالة خاصة من جهة رواتب موظفيه، إلا أنه استطاع الصمود أمام الضغوط  بل على العكس من ذلك فإن عجلة الإعمار والبناء خاصة في أربيل العاصمة ومناطق مثل دهوك وزاخو، لاتزال تدور وبأسرع مما كانت عليه من قبل، خاصة بعد مجيء مسرور بارزاني إلى رئاسة الوزراء في الإقليم .

 

فها هو يُنجز أكبر مشروع لإيصال الماء إلى هولير وينهي مشكلة الكهرباء عن طريق مشروع كبير باسم (روناكي) ويبني سدوداً لاختزان المياه ومشاريع كبيرة للطرق والجسور وغيرها من المشاريع الكبيرة والصغيرة التي تخدم البنية التحتية في الإقليم - رغم وجود مشكلة الرواتب.

 

فالبعض يرى أن الإقليم رغم حرمانه من حصة كبيرة من ميزانية العراق إلا أنه يسبق العراق في مجالات شتى مثل الإعمار والخدمات وهذا مستغرب بالطبع، حيث أن حصة الأسد من نفط العراق والموارد الوطنية تقع تحت تصرف بغداد وبكل المقاييس كان يجب على بغداد أن تسبق إقليمها ليس بخطوات بل بالكيلومترات، ولكن الواقع يقول عكس ذلك، نسبيا!.

 

 وقد تساءل  نيجيرفان بارزاني والذي كان أيضاً رئيساً للوزراء في الإقليم سابقاً، عن مصير حصة الاقليم المقطوعة: " أين ذهبت وماذا أنجزت بها في بغداد؟". وهذا سؤال مهم بالطبع وعلى كل عراقي أن يسأل المسؤولين في بغداد: حصة الإقليم من ميزانية العراق والتي كانت 16% تقريباً لم تُرسل إلى هناك منذ عام 2014  لذلك من حقنا أن نسأل أين ذهبت هذه الكمية الكبيرة من الأموال؟، خاصة وأن هناك انتقادات واسعة من الشعب العراقي حول عدم وجود خدمات ومشاريع بالشكل المطلوب في العراق، لذلك فإن السؤال مهم جداً.

 

ميزانية العراق تقدر بـ211  ترليون دينار عراقي تقريباً قياساً بعام 2024، ذهبت حوالي 12 إلى 16% منها إلى الاقليم، منذ 2005 إلى 2014، حسناً، ولكن بعد قطع هذه الحصة من الإقليم أي بعد 2014، لم تُرسل هذه الأموال إلى الإقليم فالسؤال هنا: أين ذهبت وماذا عُمل بها؟. هل أنجزت بها مشاريع كبيرة في العراق؟، هل استخدمت لسدّ حاجة الفقراء والمرضى؟، هل استخدمت لبناء بنية تحتية اقتصادية قوية؟. الكل يعلم أن العراق رغم كل ثروته إلا أن آثار الفقر والحرمان لا يزال موجوداً بكل وضوح في معظم  أنحاء العراق.

 

إذن رغم أن بغداد وضعت الإقليم تحت ضغوط الحرمان المالي لكي تَنعكس هذه الضغوط على الوضع السياسي والأمني وبالتالي تضعيف الإقليم و إيقاف تطوره، ولكن اليوم نرى العكس تماماً، بغداد هي التي تعاني من مشاكل خدمية وإدارية وهي التي تقع منذ أعوام تحت ضغط انتقادات شعبية واسعة تطالب برفع مستوى الخدمات وعدم إضاعة ثروات العراق في الفساد وإرسالها خارج البلاد.

 

 

عبدالله ريشاوي كاتب صحفي

نُشرت في الجمعة 25 يوليو 2025 03:46 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.