تسعة أشهر ويُحلّ مجلس النواب العراقي وفق المدد الدستورية، ليبدأ ماراثون الانتخابات البرلمانية التي ما يزال قانونها غامضاً، والصراعات تعمق جراح تحالفاتها الحالية وتوسّع الانشقاقات. ما شهدته الدورة البرلمانية الخامسة قد يفوق ما حصل خلال أربع دورات برلمانية سابقة، إذ مرّ على البرلمان ثلاث رؤساء، بدأ بمحمد الحلبوسي مروراً بمحسن المندلاوي رئيساً بالإنابة وصولا إلى محمود المشهداني، وكذلك انتخب البرلمان نائبين للرئيس بصفة نائب أول، الأول حاكم الزاملي وبعدها تسنّم محسن المندلاوي المنصب عند استقالة الزاملي مع الكتلة الصدرية.
الدورة البرلمانية الحالية هي الأولى التي تخلو من حضور التيار الصدري بشكل تام، وتكون الأغلبية فيها لقوى الإطار التنسيقي الشيعي، وهذا ما أثار موجة جدل نتيجة تمرير قوانين عرفت بـ"السلة الواحدة"، وهي: الأحوال الشخصية، والعفو العام، وإعادة العقارات إلى أصحابها بعد خلافات امتدت لأشهر، ودفعت إلى إلغاء العديد من الجلسات نتيجة المشاجرات والسجالات بشأنها.
السؤال الأبرز الذي يدور حالياً في ذهن الأوساط العراقية، كيف سيكون شكل التحالفات السياسية بعد الانتخابات البرلمانية؟ كيف سيكون شكل قانون الانتخابات؟ وما موقف التيار الصدري من المشاركة؟
حراك لتعديل قانون الانتخابات
النائب عن ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، أحمد صلال البدري يؤكد "وجود نية"، لتعديل قانون الانتخابات النيابية.
ويقول البدري في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "هناك نية لتعديل قانون الانتخابات، كون القانون الحالي عليه عدة ملاحظات"، مستدركا بالقول: "لكن لغاية الآن لا يوجد إجماع سياسي بشأن شكل قانون الانتخابات للمرحلة المقبلة لانتخابات مجالس المحافظات".
وشُرعت 6 قوانين انتخابية في العراق منذ سقوط صدام حسين عام 2003، بدءاً من المرحلة الانتقالية، حين كان العراق كله دائرة انتخابية واحدة، مع إقرار قوائم انتخابية مغلقة.
ولكن القانون الانتخابي (رقم 16 الصادر في عام 2005) أقر القوائم المغلقة ونظام القاسم الانتخابي في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، إذ قسم العراق إلى 18 دائرة انتخابية بحسب عدد محافظاته، واستمر العمل به حتى عام 2010، ليشهد بعدها تعديلاً تمثّل باعتماد القوائم الانتخابية شبه المفتوحة.
وفي 2014، شرّع البرلمان قانوناً جديداً للانتخابات، اعتمد على نظام "سانت ليغو" حسب معادلة 1.7، والذي تغير في انتخابات 2018 إلى قانون جديد يعتمد معادلة 1.9.
وعقب احتجاجات تشرين الأول 2019، عُدل القانون ليتماشى مع المطالب الشعبية في عام 2020، والذي اعتمد على الأكثرية، بدلاً من النسبية، وأقر تقسيم المحافظة إلى عدة دوائر انتخابية، ما أسهم بفوز عشرات المستقلين لأول مرة، وتراجعت من خلاله بعض الأحزاب التقليدية التي لم تتمكن من تحقيق الأغلبية، الأمر الذي دفعها للاحتجاج والسعي إلى تغيير القانون.
ثم صوت مجلس النواب، خلال جلسته التي عقدت في 27 اذار 2023، بحضور 218 نائباً على قانون "التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم (12) لعام 2018".
وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الاول 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة، وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.
قوى الإطار بتحالفات مستقلة
وفيما يخص شكل التحالفات المقبلة، يوضح النائب عن ائتلاف المالكي، أن "هناك رأياً لأكثر من طرف، إذ قد يكون رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في تحالف وحده، وكذلك ائتلاف دولة القانون يدخل في تحالف مستقل عن بقية قوى الإطار التنسيقي، وكذلك النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي سيكون في تحالف مستقل".
ويشير البدري الى، أن "هناك تقاطعاً بين رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي"، مستبعدا أن "يدخل الطرفان في تحالف واحد، لكن في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائماً، والأيام كفيلة بالتغيير".
اما بشأن التيار الصدري، يذكر عضو مجلس النواب، أن "وجودهم في العملية السياسية مهم جداً، ونتمنى مشاركتهم وإن لا يكونوا خارج العملية السياسية"، مؤكدا أن "القرار الأول والأخير مرتبط بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر".
حزب "تقدم" متصالح مع الجميع
من جانبه، يلفت المتحدث عن كتلة تقدم النيابية، النائب يحيى المحمدي، إلى أن موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة وقانون الانتخابات الذي سيكون معتمدا ما يزالان غامضان لغاية الآن.
ولا يتفق المحمدي مع البدري بشأن تقاطع كتلته مع رئيس الحكومة، مؤكدا في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "كتلة تقدم ليس لها أي تقاطعات مع أي طرف من الأطراف".
ولفت النائب عن كتلة الحلبوسي، أن "نتائج الانتخابات واستراتيجية كتلة تقدم هي من تحدد مع أي تحالف سنكون"، مشيرا الى أن "الوقت ما يزال مبكراً، ولا يمكن تحديد الوجهة السياسية المقبلة في شكل الانتخابات والتحالفات السياسية".
وشدد المحمدي على، "ضرورة مشاركة التيار الصدري في الانتخابات المقبلة"، مؤكدا أن "التيار له مكانته وجمهوره السياسي، وغيابه شكل خللاً في البنية السياسية".
ويشير عضو مجلس النواب الى، أن "التوازنات السياسية وشكل الرؤى المستقبلية لتشكيل الحكومة المقبلة هو من يحدد تحالف كتلة تقدم من عدم التحالف مع التيار الصدري".
موقف الصدريين "غير واضح"
إلى ذلك، يرى رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية والمقرب من التيار الصدري، مناف الموسوي، أن موقف التيار الصدري ما يزال "غير واضح" بشأن المشاركة من عدمها في الانتخابات المقبلة، فيما لمّح إلى مشاركة التيار تحت مسماه الجديد "التيار الوطني الشيعي".
ويقول الموسوي في حديث لمنصّة "الجبال"، إن "موقف التيار الصدري من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة من عدمها ما يزال غير واضح، وقد يتضح خلال الشهرين المقلبين".
ويضيف، أن "التغيرات والمتغيرات ستكون أكثر وضوحاً كل ما اقترب موعد الانتخابات"، مبينا أن "التيار الصدري اذا شارك في الانتخابات فسيشارك مستقلاً بأسمه الجديد (التيار الوطني الشيعي)".
وفيما يخص شكل التحالفات، يشير رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية الى، أن "التحالفات واردة وستكون بعد الانتخابات وفق ما تفرزه النتائج".
ويلفت الموسوي إلى، أن "هناك خلافات وانقسامات كثيرة داخل قوى الإطار التنسيقي، قد تدفع الى مشاركتهم في الانتخابات منفردين، مما يسهم في تقليل فرصهم في الحصول على الأصوات".
ويرى المقرب من التيار الصدري، أن "رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، يحاول دعم بعض القوى الناشئة، وبعض الأحزاب الليبرالية، مستغلا وجوده في السلطة، لكن هناك معارضة له من قبل أطراف مهمة من الأطراف التنسيقي".
ويبين الموسوي، أن "مشاركة السوداني في الانتخابات وحصوله على الأصوات قد لا يؤهله إلى الظفر بولاية ثانية؛ لان ذلك يرتبط بعدة اعتبارات، أبرزها نتائج الانتخابات والتحالفات التي ستشكل بعد الانتخابات"، مشيراً الى أن "المرجعية الدينية قد يكون لها موقف عند اقتراب موعد الانتخابات".