يشهد المسرح الانتخابي في محافظة الأنبار صراعاً محتدماً يعكس تعقيدات الواقع السياسي في العراق عموماً، وفي المناطق الغربية على وجه الخصوص. هذا الصراع لا يقتصر على التنافس الديمقراطي المشروع بين الأحزاب والتيارات المختلفة، بل يتداخل فيه النفوذ العشائري، والولاءات الطائفية، والتأثيرات الخارجية، إلى جانب إرث من التوترات الأمنية والسياسية التي تركت آثارها العميقة على طبيعة التحالفات والاصطفافات.
ويسيطر حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي على المشهد السياسي والإداري في محافظة الأنبار، وهو ما جعل العديد يطلقون على الأنبار بـ"الجمهورية الإدارية"، لكن مع انطلاق الحملات الانتخابية المبكرة لانتخابات البرلمان العراقي المقرر إقامتها في تشرين الثاني من العام الحالي، فإن تحالف عزم الذي يترأسه مثنى السامرائي، قد دخل على خط التنافس و"بقوة".
السامرائي دخل بسيناريو يتوقع بحسب أعضاء "عزم" أن يكون "مفأجاة البيت السُني في الانتخابات المقبلة"، حيث "ركز على اختيار شيوخ العشائر القوية وذات الأعداد الكبيرة في محافظة الأنبار، من بينهم شيخ البو مرعي أركان الطرموز، وشيخ عشيرة البو عيثة غانم العيفان، وأحد شيوخ البو عيسى وطبان السعدون، ونجل عشيرة المحامدة زيد علي حماد".
هذه الأسماء التي ضمتها قائمة عزم في الانتخابات المقبلة، يبدو أنها أغضبت قيادة تقدم، التي تعول على الأنبار، وتعتبرها عاصمة الحزب، وحصنها المنيع.
حيث ذكر القيادي والنائب عن حزب تقدم في تصريحات متلفزة سابقة بأن حزب تقدم سيحصل على 14 مقعداً في محافظة الأنبار من مجموع الـ 15 مقعداً المخصصة للمحافظة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، والمؤتمرات الانتخابية التي تعقدها التحالفات والأحزاب المنافسة، وحراكها المستمر، فقد بدأت ممارسة التضييق الأمني والإداري ضدهم.
نقلٌ جماعي
وتداول مدونون في مواقع التواصل الاجتماعي كتاباً صادراً من محافظة الأنبار، يتضمن نقل مجموعة من الأسماء إلى ناحية الوفاء، بينها مرشح تحالف عزم وشيخ عشيرة البو مرعي أركان الطرموز، ومجموعة من أقاربه.
كما تناقلت مواقع التواصل أيضاً مقطعاً فيديوياً يظهر قيام مجموعة من مواطني عشيرة البو مرعي من منع رئيس لجنة النفط والطاقة في البرلمان والنائب عن حزب تقدم هيبت الحلبوسي من إقامة مؤتمر انتخابي في منطقة الطاش بمدينة الرمادي.
شيخ عشيرة البو مرعي، أركان الطرموز، يشير إلى أن "ماجرى هو استهداف سياسي صريح وواضح، وتجاوز على الديمقراطية، ولن نسكت عن هذا الأمر".
وأوضح في حديثه لمنصة "الجبال" أن "الترشح للانتخابات مع أي قائمة هو حق وخيار سياسي، والتنافس الانتخابي، هو حق كفله الدستور العراقي، ولا يجوز استخدام السلطة لغرض التسقيط بالمنافسين".
وأشار إلى أن "الكتاب الذي صدر من محافظة الأنبار يتضمن نقل نجليَ بيرق وقتيبة، ولكنهما قدما استقالتهما الطوعية منذ شهر نيسان، وتم قبولها حسب الأصول القانونية".
لكن، ما صدر في الكتاب بحسب الطرموز، "هو محاولة لتشويه صورتنا أمام الرأي العام، واستخفاف بالقانون، وانتقام من مواقفنا السياسية، وهذا الأمر غير مقبول، ويسيء للحريات والديمقراطية والتنافس الانتخابي".
ويدخل حزب تقدم برئاسة محمد الحلبوسي الانتخابات المقبلة بثلاث قوائم، هي تقدم، وقمم، الذي يترأسه وزير الصناعة خالد بتال، وحزب الصرح، برئاسة مصطفى عياش الكبيسي.
وفي انتخابات مجالس المحافظات حصل حزب تقدم مع الأطراف المتحالفه معه على 11 مقعداً في مجلس محافظة الأنبار، من أصل 16 مقعداً، ما سمح له بالحصول على منصبي المحافظة، ورئاسة المجلس، وإدارة غالبية المؤسسات والدوائر الحكومية.
دعوة للسوداني بالتدخل
من جهة أخرى يؤكد الباحث في الشأن السياسي مهند الراوي أنه "لاشك بأن استخدام موارد الدولة هو مؤشر خطير وتراجع في الحريات والديمقراطية".
وبين في حديثه لـ "الجبال" أن "استخدام التعسف غير مقبول، والكتاب الذي صدر من محافظة الأنبار، يشير لوجود صراع سياسي بين الأحزاب المتنافسة في الانتخابات، وخاصة بين تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، وتحالف عزم برئاسة مثنى السامرائي".
وأضاف أن "صدور هذا الكتاب من المحافظة، وهي سلطة إدارية يجب أن لا تتدخل في الصراع السياسي، ولكن هذا مؤشر خطير على استخدام موارد الدولة والنفوذ لضرب الخصوم، وبمثابة ضرب للديمقراطية".
وذكر أنه "من الواضح الحزب الحاكم يستخدم نفوذه لضرب الخصوم، وللبقاء وحيداً في الساحة السياسية دون منافس، وما جرى مع شيخ عشيرة البو مرعي أركان الطرموز وأولاده الذين تم نقلهم جميعاً من مكان عملهم، بسبب ترشيح الطرموز مع تحالف عزم"، لافتاً أن "الحكومة العراقية ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني التدخل لحماية الديمقراطية واستخدام صلاحياته، لآن إقصاء المنافسين والخصوم، هو مؤشر خطير يجب التصدي له".
صراعٌ عشائري
من جانب آخر يشخص المحلل السياسي والأكاديمي في جامعة الأنبار محمد دحام حالة الصراع السياسي في محافظة الأنبار، والبيت السُني بشكل عام وتأثيرها على المستقبل القريب.
مشيراً في حديثه لـ "الجبال" إلى أن "هذا الوضع سينعكس على هذا الصراع على الوضع الاجتماعي، والدليل على ذلك هو وجود صراع بين العشيرة الواحدة، وبين العائلة الواحدة، وهذا مؤشر خطر على السلم المجتمعي، ويخالف مبادئ الديمقراطية، ونصوص الدستور".
وأوضح أن "الأحزاب السياسية المسيطرة جاءت من مطامع شخصية، وهذه الأحزاب لا يمكن أن تشبع ولو امتلكت ثروات هائلة، وهذه الأحزاب لا تعرف منطق احترام الدولة، وهي ترى بأن مؤسسات الدولة هي غنيمة لها".
وتابع: "إذا بقيت قواعد اللعبة في محافظة الأنبار بهذه الصورة، فسيكون هنالك خطر كبير على السلم المجتمعي، وستتحول إلى تطهير عشائري ومناطقي، وكل من يخالف حزب تقدم الحاكم وزعيمه الحلبوسي، سيتعرض للتسقيط"، و"المفروض من الحكومة الاتحادية في بغداد التدخل وبصورة عاجلة، لمنع احتكار السلطة في محافظة الأنبار، لأنه قد تضطر بعض العشائر لا ستخدام أساليب غير قانونية للحفاظ على كرامتها".
والأنبار هي محافظة ذات طابع عشائري وقبلي، تنقسم إلى عدة أقضية، أكبرها الرمادي والفلوجة، ومحاذية لثلاث دول، هي الأردن، وسوريا، والمملكة العربية السعودية.
وبعد عام 2003، عانت من تحولات كبيرة، وغاب الاستقرار عنها، بسبب توالي سيطرة الجماعات المتطرفة عليها، ما أثر على استقرارها السياسي والأمني، حتى تحررت من سيطرة تنظيم داعش عام 2017، وبدأت تستعيد التوازن والاستقرار.
ساحة لاختبار القوة
من جانبه، يرى الناشط السياسي سيف خنفر، أن الانتخابات في محافظة الأنبار باتت ساحة لاختبار القوة والنفوذ أكثر من كونها ممارسة ديمقراطية حقيقية تعبر عن إرادة الناخب.
ولفت خنفر بحديث لـ "الجبال" إلى أن "الأحزاب التقليدية، التي تسيّدت المشهد منذ سنوات، تواجه تحدياً متصاعداً من قبل شخصيات جديدة تحاول تقديم خطاب مختلف، لكن الهيمنة المالية والدعم السياسي من جهات متنفذة غالباً ما تقف عائقاً أمام هذا التغيير".
وتابع أن "تدخل الإدارة الحاكمة كعامل مؤثر في ترجيح كفة حزب على آخر، سواء من خلال استخدام أدوات الدولة أو توظيف الأجهزة الإدارية والمؤسسات الرسمية لخدمة مصالح قوى بعينها، هو أمر خطير، يهدد العملية الانتخابية برمتها، ويستوجب تدخلاً حكومياً وقضائياً".
وأردف أن "هذا التدخل، في جوهره، ناتج عن رغبة في ضمان ولاءات سياسية داخل البرلمان أو الحكومات المحلية، خصوصاً في محافظة تتمتع بموقع استراتيجي وثقل عشائري كبير مثل الأنبار، كما قد يكون هذا التدخل جزءاً من محاولات تصفية حسابات سياسية بين أطراف السلطة، أو نتيجة لضغوط إقليمية تهدف إلى خلق بيئة موالية لمشاريع خارجية".
لكن لمثل هذا السلوك عواقب وخيمة على المدى القريب والبعيد. فحين يشعر المواطن بأن صوته لا يُحتَرم، وأن النتائج تُصاغ في الكواليس وليس في صناديق الاقتراع، تتآكل ثقته بالعملية الديمقراطية برمتها.
وقال خنفر إن "مستقبل الأنبار، كغيرها من المحافظات العراقية، يتوقف على قدرة الدولة على احترام قواعد التنافس السياسي العادل، وضمان نزاهة الانتخابات، والابتعاد عن استخدام أدوات السلطة لترجيح كفة طرف على حساب آخر فالإصلاح الحقيقي يبدأ من صناديق اقتراع نزيهة تُفرز قيادات تمثل إرادة الناس لا إرادة المتنفذين".
في سياق متصل يرى القيادي في تحالف الأنبار، طارق الدليمي، أن "حزب تقدم لا يؤمن بعملية التنافس الديمقراطي، ويريد السيطرة على الأنبار، ويعتبرها ملكاً خاصاً له، وهذا الأمر دعاه للتحرك، ومحاولة ضرب الخصوم".
وأوضح الدليمي في حديث لـ "الجبال" إن "هنالك خشية من دخول منافسين وأحزاب جديدة في الانتخابات المقبلة، هذه الأحزاب بدأت تعمل بشكل جيد، وتزاحم الحزب المتنفذ، لذلك قاموا بتحريك أدوات السلطة ضدها".
وبدأت زعامات وقادة الأحزاب في جميع المحافظات بالتحرك، عبر إقامة المؤتمرات الانتخابية، للإعلان عن مرشحيها في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي حددتها الحكومة العراقية في 11 من شهر تشرين الأول من العام الحالي.
ويخشى مراقبون من تأثير الصراع السياسي داخل البيت السُني على المشهد الأمني، خاصة في محافظة حدودية كبيرة مثل الأنبار، عانت من عدم الاستقرار، لسنوات عديدة.