العراق بعين الخارج: تصنيفات لا ترحم وبلد عالي الخطورة .. هل يستحق هذه السمعة ومن يتحمل وزرها؟

9 قراءة دقيقة
العراق بعين الخارج: تصنيفات لا ترحم وبلد عالي الخطورة .. هل يستحق هذه السمعة ومن يتحمل وزرها؟ برج البنك المركزي العراقي الجديد في بغداد 29 مايو/أيار 2025. (تصوير: مرتجى لطيف / وكالة فرانس برس)

رغم مرور أكثر من عقدين على التغيير السياسي وسقوط النظام البائد في العراق، ما تزال صورة البلاد خارجياً عالقة في إطار “الدولة عالية الخطورة”. 

 

فالتصنيفات التي تصدرها المؤسسات العالمية وجهات أخرى عديدة مختلفة، لا تلتفت كثيراً إلى الخطابات الرسمية والوعود الحكومية، بل تقرأ ما بين السطور ومعطيات أخرى: سلاح منفلت، قرارات سيادية مرتبكة، ودبلوماسية غائبة أو خاضعة للمحاصصة وسيادة مثلومة تنتهك في أي وقت.

 

وبينما تعلن الحكومة عن استقرار أمني وتتحدث عن تنشيط الاقتصاد وجذب الاستثمارات لتحريك عجلة الاقتصاد، يبقى العراق حبيس هذه المؤشرات التي تعكس عمق التحديات الجسام في البلاد، فهل هذا هو الواقع؟ وهل المشكلة فيه أم في العجز عن تسويقه.

 

والسؤال الأبرز دوماً، هل تكفي النوايا السياسية لوحدها إن وجدت، لتغيير صورة بلد تتقاذفه الصراعات على السلطة والنفوذ والهيمنة؟

 

التاسع عالمياً من حيث الخطورة

 

ولعل أحد هذا التصنيفات المهمة، هو تصنيف مجلة CEOWorld الأميركية، والذي أدرج تقريرها الأخير العراق ضمن “قائمة الممنوعات” التي تشمل الدول المصنفة كالأكثر خطورة على المسافرين في عام 2025، محتلاً المرتبة التاسعة عالمياً. 

 

بيّنت المجلة أن هذا التصنيف يستند إلى مؤشرات تتعلق بالحرب والإرهاب والجريمة والصراع المسلح، مشيرة إلى أن الهدف منه هو تنبيه الأفراد والشركات إلى المخاطر الأمنية عند السفر أو الاستثمار. وفي المقابل، ضمت القائمة الآمنة دولاً مثل سويسرا وكندا وفنلندا والولايات المتحدة.

 

من يتحمل المسؤولية؟

 

في هذا الشأن، يرى عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، ياسر وتوت، أن تصنيف العراق ضمن الدول الخطرة لا يعكس الواقع الأمني الحالي، ويُحمّل وزارة الخارجية مسؤولية التقصير في تحسين صورة البلاد دولياً. حيث انتقد النائب هذه التصنيفات، التي تضع العراق ضمن الدول غير الآمنة، معتبراً أنها “لا تعكس الواقع الحقيقي للوضع الأمني في البلاد، الذي شهد تحسناً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة”.

 

قال وتوت في تصريح لمنصة "الجبال"، إن “الحديث عن الوضع الأمني بمعزل عن المشهد السياسي العام يُعد مقاربة ناقصة، خصوصاً في ظل حالة التذبذب التي يشهدها الاستقرار السياسي، والذي ينعكس بدوره على صورة العراق خارجياً".

 

وأشار إلى أن "الوضع الأمني في العراق حالياً يُعد مستقراً نسبياً، وهناك وحدة في القرار الأمني وجهود حكومية لا بأس بها لتحقيق مزيد من الاستقرار، ما يعني أن التصنيفات التي تتجاهل هذه التطورات تفتقر إلى الدقة والإنصاف".

 

ورأى وتوت أن من أسباب بقاء العراق في مثل هذه التصنيفات، هو "ضعف أداء السلك الدبلوماسي، والسفراء العراقيين في الخارج، الذين لا يضطلعون بدور فاعل في تصحيح الصورة النمطية عن البلاد”، مضيفاً على حديثه: "لو كان لدينا تمثيل دبلوماسي فاعل، لكان من الممكن تغيير الانطباعات السلبية عن العراق، لكن مع الأسف معظم السفراء محسوبون على جهات سياسية، ولم نلحظ أي جهد جدّي لكسر هذه الصورة، لا سيما في أوروبا”.

 

اتهم النائب وزارة الخارجية، وبالأخص وزير الخارجية، بـ”التقصير في هذا الملف”، مؤكداً أن “غياب العمل الدبلوماسي الفعّال أسهم في ترسيخ الانطباعات السلبية، وقلّص من فرص تحسين تصنيف العراق على المستوى الدولي”.

 

وختم وتوت بالقول: “العراق دولة مكشوفة أمام المجتمع الدولي، وكل دولة تمتلك سفارة في بغداد لديها معلومات. لكن تحسين صورة العراق لا يتحقق إلا من خلال قوة الدولة والقرار السياسي، وفاعلية عمل وزارة الخارجية، وضبط التصريحات الصادرة عن القوى السياسية والمسؤولين، بحيث تكون محسوبة ومدروسة”.

 

العراق عالي الخطورة والاستقرار الأمني وحده لا يكفي

 

من جهته أكد رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن إدراج العراق ضمن قائمة الدول عالية الخطورة يعكس إلى حد كبير واقع الأوضاع في البلاد، مشيراً إلى أن التصنيف لا يتعلق فقط بالجانب الأمني، بل يرتبط بجملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

ولفت في حديث لمنصة "الجبال"، أن “العراق ما يزال يصنّف كدولة عالية الخطورة نتيجة سلسلة من الأحداث والتراكمات منذ عام 2003، بدءاً من العنف الطائفي، مروراً بسيطرة الجماعات المتطرفة، وسياسات الإقصاء والتهميش، ووصولاً إلى مرحلة داعش وما بعدها، التي لم تُدار بشكل صحيح من قبل الحكومات المتعاقبة”.

 

وأضاف أن “استمرار التدخلات الخارجية في القرار السيادي، ووجود الفصائل المسلحة التي ترفع شعارات مناهضة للغرب، ساهم في تعميق صورة العراق كدولة غير مستقرة وخطرة”، مبيناً أن “هذا التوصيف، رغم قسوته، قريب من الواقع، حتى مع وجود نوع من الاستقرار النسبي الأمني والسياسي، الذي يبقى هشاً في ظل هيمنة جماعات السلاح على مفاصل السلطة”.

 

شدد الشمري وهو استاذ السياسات الاستراتيجية و الدولية في جامعة بغداد كذلك، على أن "الاستقرار الأمني وحده لا يكفي لإخراج العراق من هذا التصنيف”، مضيفاً: “لا بد من توافر استقرار سياسي حقيقي، يعكس إيمان الطبقة الحاكمة بالديمقراطية وحرية الرأي، ويضمن حماية الكفاءات الوطنية وعدم تهميشها أو تهديدها”.

 

وتابع قائلاً إن "العديد من الكفاءات تشعر اليوم بأنها مستهدفة بسبب آرائها، وحرية الصحافة والتعبير تواجه تقييداً متزايداً، ما يُعد عاملاً إضافياً في تعزيز الانطباع الدولي بأن العراق ليس بيئة آمنة”.

 

وأشار إلى أن “غياب الاستقرار السياسي، وتراجع ثقة المجتمع الدولي بقدرة العراق على حماية حقوق الإنسان وضمان حرية التعبير، دفع العديد من المؤسسات الإعلامية والشركات الاقتصادية إلى تجنّب العمل أو الاستثمار في العراق”.

 

أكد الأكاديمي المختص بالعلاقات الدولية في سياق حديثه على أن “المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على السلطة التنفيذية، ثم التشريعية، لعدم اتخاذهما خطوات جادة لتحسين صورة العراق، بل إن أداءهما أسهم في تعميق القناعة بأن البلاد ما زالت غير آمنة”، متمّماً بأن "التصنيف له تداعيات خطيرة على العراق سياسياً واقتصادياً، ويمثل عائقاً أمام الدعم الدولي، سواء في مجال الاستثمار أو حقوق الإنسان، ما لم تُجرَ إصلاحات جذرية تعيد الثقة الدولية بالعراق كدولة مستقرة وآمنة”.

 

غياب القرار الوطني وتعدد مصادر السلاح

 

أما الخبير الأمني والاستراتيجي عدنان الكناني، فيحذر من أن غياب القرار الوطني وتعدد مصادر السلاح يمثلان العقبة الأساسية أمام استقرار حقيقي في العراق، مشدداً على أن "الأمن بات أداة بيد القوى السياسية"، وأن "الاستقرار السياسي والأمني في العراق سيبقى هشاً ومهدداً، ما لم يتم اتخاذ قرار وطني حاسم ينهي حالة التعدد في مراكز القرار ويضع حداً لسيطرة الجماعات المسلحة الخارجة عن إطار الدولة".

 

أوضح الكيناني في حديث مع "الجبال"، إن “الاعتقاد السائد بأن السلطة بيد الدولة بالكامل ليس دقيقاً، إذ توجد جماعات تملك أجنحة مسلحة وتتصرّف خارج إرادة الدولة، وهذا يُعد أحد أبرز أسباب استمرار تصنيف العراق ضمن الدول عالية الخطورة”، مشيراً: أنه "رغم وجود مظاهر الحياة الطبيعية في العديد من المناطق، ومنها مثلاً، خروج العوائل حتى ساعات الفجر الأولى، إلا أن هذا لا يعكس صورة الاستقرار الحقيقي، لأن الأمن ما زال خاضعاً لتجاذبات القوى السياسية والفصائل المسلحة”.

 

وأضاف الكناني أن “الطبقة السياسية الحالية، بشقيها التنفيذي والتشريعي، تضم عناصر تعمل وفق مصالح دول أجنبية أكثر مما تعمل لمصلحة العراق، وهناك أكثر من 28 جهاز مخابراتي أجنبي ينشط داخل البلاد دون رقيب أو محاسبة، في ظل تقييد صلاحيات جهاز المخابرات الوطني العراقي”، مردفاً: "لن يتحقق استقرار سياسي حقيقي في ظل وجود أحزاب وكيانات سياسية مرتبطة بأجندات خارجية، تعمل من داخل الأراضي العراقية ضد المصلحة الوطنية. الأمن والاستقرار يتحولان إلى مجرد أدوات تُفعّل أو تُعطّل حسب رغبة هذه القوى".

 

رأى الكناني أن “الغياب التام للعدالة الاجتماعية وتدهور قطاعي التربية والتعليم يعمّق من فقدان الثقة بين المواطن والدولة”، مضيفاً أنه "حين يُجبر المواطن على اللجوء للدروس الخصوصية بسبب انهيار التعليم الرسمي، وحين يشترى بالمال كل شيء، فهذا يعكس عمق الفساد وغياب العدالة، ما يؤثر مباشرة على الأمن المجتمعي".

 

وخلص الكناني إلى أنه "لا يمكن تحقيق أمن حقيقي واستقرار دائم دون إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وهو يتطلب أولاً وجود عدالة اجتماعية حقيقية، وثانياً، قرارات سيادية مستقلة تُنهي ازدواجية السلاح وتضع الدولة فوق الجميع”.

الجبال

نُشرت في السبت 31 مايو 2025 11:00 ص

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.