اعتقالات ونقل موظفين وسط صمت حكومي وإعلامي: الأنبار تشكو انتهاك الحريات.. وقلق من "دكتاتورية جديدة"

7 قراءة دقيقة
اعتقالات ونقل موظفين وسط صمت حكومي وإعلامي: الأنبار تشكو انتهاك الحريات.. وقلق من "دكتاتورية جديدة" الانتهاكات تحدث بشكل صريح (الجبال)

عانت محافظة الأنبار منذ عام 2003 من تقلبات أمنية وسياسية عديدة، تمثلت بسيطرة الجماعات المتطرفة على المحافظة، وتوالي الأحزاب والتيارات التي حكمت مدنها. فما بين التيارات الإسلامية والمدنية والمتشددة، أخيراً، تحررت الأنبار عام 2017، وخلعت ثوب التطرف، بعد استعادة السيطرة عليها من قبضة "داعش"، إلا أن اهلها يواجهون مشكلة جديدة ألا وهي تضييق الخناق على حرية التعبير وانتقاد الوضع السياسي والفساد في المؤسسات الحكومية، وسط اتهامات لما يوصف بـ"الحزب الحاكم" في المحافظة.

 

شهدت مدن الأنبار خلال الفترة الماضية، حالات تضييق على ناشطين ومدونين، وصلت إلى حدّ الاعتقال، وذلك على خلفية نشرهم انتقادات لسياسيين أو مسؤولين محليين، ما دفع منظمات حقوقية عراقية إلى التحذير من اتساع الامر، والدعوة إلى احترام القانون الذي يكفل حرية التعبير عن الرأي.

 

تضييق ونقل موظفين لأماكن بعيدة

وبحسب إحصائية غير رسمية حصلت عليها منصة "الجبال"، فإنه خلال العام الماضي 2024، تم اعتقال 13 ناشطاً، بسبب انتقادهم لرئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وحزبه "تقدم"، فيما تم نقل 43 موظفاً من دوائرهم إلى مناطق نائية وحدودية وبعيدة عن مناطقهم سكناهم، لأسباب مختلفة، منها انتقاد سياسة الحزب الحاكم في الأنبار، أو انتقاد عمل إدارة الدوائر والمحافظة بشكل عام.

 

وخلال الأشهر الأولى من عام 2025، تم نقل 28 موظفاً من دوائرهم، بسبب آرائهم السياسية، أو لمشاركتهم في نشاط أو فعالية سياسية.

 

الناشط السياسي عبدالله الذبان يؤكد أنه، منذ 2019، والأنبار تشهد حملة تضييق كبيرة على الناشطين، وخاصة المهتمين بالشأن السياسي الذين يطرحون آراء معارضة للحزب الحاكم في المحافظة.

 

ولفت خلال حديثه لمنصّة "الجبال" إلى أن "هذه الانتهاكات تحدث بشكل صريح، أما عن طريق الدعاوى الكيدية، والاعتقالات أو التخويف بالدعاوى القضائية، لكن الآن اتخذ التضييق على حرية الرأي سلوكاً آخر".

 

وأضاف، أن "ما يقوم به الحزب الحاكم يتمثل في معاقبة ونقل الموظفين الذين يبدون آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال العمل مع جهات منافسة للحزب الحاكم".

 

وتابع، أن "هذه السلوكيات زادت في الفترة الأخيرة، وذلك مع قرب الانتخابات واشتداد المنافسة في المحافظة، وهي تمثل انتهاكاً صارخاً لحق حرية التعبير عن الرأي وحرية الانتماء الحزبي والسياسي، وما نأسف له، هو سكوت الحكومة العراقية، عن ما يجري من قمع كبير للحريات في محافظة الأنبار، وكأنه نوع من المجاملة السياسية".

 

الانتخابات تزيد الطين بلّة.. وشيوخ عشائر في مرمى الاستهداف

وخلال الأيام الماضية أصدر ديوان محافظة الأنبار كتاباً بنقل شيخ عشيرة "البو مرعي"، أركان خلف الطرموز، مع 8 أفراد من عائلته، إلى ناحية الوفاء، وذلك بسبب مشاركته الأخيرة في الانتخابات المقبلة، كمرشح عن تحالف "عزم" الذي يقوده مثني السامرائي.

 

الباحث في الشأن السياسي مهند الراوي يرى أنه، في كل انتخابات، يحصل في محافظة الأنبار ضغط سياسي ومشاحنات، ولكن الموضوع بدأ يأخذ منحى آخر.

 

وأوضح في حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "هناك استخداماً لسلطة حزب تقدم في محافظة الأنبار، وإصدار كتب النقل بالجملة، وإقصاء الخصوم، وبناء دكتاتورية جديدة، وهذه المشكلة قد تؤدي لمنزلق خطير".

 

وأشار إلى، أن "ما يجري في الأنبار هو محاولة لبناء دكتاتورية جديدة، فبعد الحملة التي أقيمت ضد الحزب الحاكم في السنوات السابقة، بعدما كان يستخدم الأجهزة الأمنية لقمع الناشطين والصحفيين والشباب، بسبب مواقفهم، بات اليوم يستخدم سلطته الإدارية لنقل الموظفين ومعاقبتهم، مالياً وإدارياً".

 

وتابع، أن "محافظة الأنبار هي محافظة عشائرية، واستمرار سياسة القمع دون رادع حكومي وقضائي، قد يؤدي إلى تطور يضرّ بأمن المحافظة، ونحن بحاجة إلى تدخل رئيس الوزراء، ومجلس القضاء الأعلى".

 

وذكر أن "هناك شخصاً ضريراً فقد عينيه بحرب داعش، وتمت معاقبته بحرمانه من المستحقات المالية التي يأخذها من دائرة الرعاية الاجتماعية، بسبب منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي"، حسب قول الراوي.

 

ولفت إلى، أن "ما يجري هو إعادة لإجراءات حزب البعث، وكتابة التقارير، ومراقبة (مجاميع الواتساب) وتصوير ما يكتب هناك، وهذا الأمر ينافي حريات التعبير، والأخلاق بصورة عامة، ويصنع أزمة كبيرة في الأنبار".

 

وخلال الأعوام الماضية، أعلنت هيئة النزاهة عن أكبر حملة لملاحقة الفاسدين في قضية بيع الأراضي في محافظة الأنبار، بعد الكشف عن فرز 150 ألف قطعة أرض بطريقة غير قانونية.

 

وكانت قوة أمنية قادمة من بغداد قد اعتقلت في حينها عدداً من موظفي دوائر البلدية والضريبة والتسجيل العقاري في الأنبار، على خلفية وجود عمليات تلاعب في آلية توزيع قطع أراضٍ تعود للدولة.

 

ويسيطر حزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي على إدارة محافظة الأنبار، بعد فوز حزبه خلال انتخابات مجالس المحافظات السابقة بالأغلبية.

 

"دكتاتورية جديدة"

من جانب آخر يؤكد رئيس ما يعرف بـ"مجلس إنقاذ الأنبار"، حميد الهايس، أنه لا يوجد ناشط أو صحفي أو موظف يستطيع التعبير عن رأيه، بسبب سياسة الحزب الحاكم المتسلطة، والعقوبات التي يفرضها على المواطنين.

 

الهايس قال في حديثه لمنصّة "الجبال"، إن "حزب تقدم صوّر للرأي العام بأن محافظة الأنبار عبارة عن أبراج وناطحات سحاب، وشوارع عملاقة ومدن سكنية، لكن الواقع يشير إلى غير ذلك، فالأنبار تعاني من نقص كبير في الخدمات، وارتفاع في معدلات البطالة، وزيادة كبيرة في نسب الفساد والسرقات ونهب المال العام".

 

وأوضح، أن "الأنبار هي الأكثر فساداً، وخاصة في ملفات الأراضي والتعويضات والتقاعد، وأي موظف أو صحفي أو ناشط يكتب منتقداً عمليات الفساد والسرقات يتم اعتقاله أو نقله لمكان بعيد، مع عقوبات إدارية كإيقاف الترفيعات أو طرده من منصبه لدرجة أدنى".

 

وأشار إلى، أنه "ما نأسف له هو المجاملة التي تبديها الحكومة العراقية للحزب الحاكم في الأنبار ورئيسه محمد الحلبوسي، بالرغم من استخدامه السلطة لأغراض حزبية وسياسية، وكان لا بدّ من تدخل مجلس القضاء الأعلى، ومفوضية حقوق الإنسان لحفظ الحريات المدنية، وكرامة المواطن التي تتعرض للإهانة".

 

سكوت من أغلب وسائل الإعلام

إلى ذلك يرى عضو الحراك الشعبي في محافظة الأنبار عبد الله الفهد، أن المحافظة تعيش في عصر "الدكتاتورية الجديدة"، وهناك عدة أطراف أمنية وسياسية واجتماعية وإعلامية تشترك بهذا الأمر.

 

وأوضح في حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "عمليات القمع والترهيب والتضييق على الحريات متواصلة، ولا يسلّط الضوء عليها للأسف الشديد، وهناك سكوت من أغلب وسائل الإعلام، التي لا تغطي ما يجري في الأنبار، وتصور المحافظة على أنها (دبي ثانية)".

 

وأوضح، أن "هناك أشخاصاً مهمتهم مراقبة ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم التقارير للحزب الحاكم، وهؤلاء يقسّمون إلى مجاميع، منها من يتواجد على (الفيسبوك)، ومنهم من يتواجد في (كروبات الواتساب)، ويقومون بتصوير المحادثات، وتحويلها مباشرة".

 

وقال أيضاً إن "هناك أشخاصاً تم نقلهم من دائرتهم في مدينة الرمادي في مركز محافظة الأنبار إلى قضاء الرطبة أقصى غرب المحافظة، والتي تبعد 300 كيلو متر عن مدينة الرمادي، بسبب (سمايل إيموجي) على إحدى المحادثات في مجموعة واتساب خاصة بالناشطين والصحفيين والنخب المجتمعية".

 

وتابع، أن "الحكومة العراقية وللأسف الشديدة تقف متفرجة، رغم التقارير التي نرسلها للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، ورغم مناشدتنا المستمرة، لكن العلاقات السياسية تلعب دوراً على حساب معاناة شباب الأنبار ومواطنيها".

 

 

الجبال

نُشرت في السبت 31 مايو 2025 11:35 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.