لم يدفع أي مكان مثل قطاع غزّة ثمن خطاب تدمير إسرائيل، وخاصة بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي غيّر مجرى الصراع بالكامل. ومن الواضح أن الهجوم ألحق منذ ذلك الحين حتى الآن تطورات أخرى، بعد 7 أكتوبر سقطت سوريا ولبنان كقلعتين مهمتين في الجبهة المعادية لإسرائيل.
حاول العراق إلى حد كبير حماية نفسه، حتى الآن، خلال انجرار إيران بشكل مباشر إلى الحرب، ظلّ العراق محايداً وسيبقى كذلك قدر الإمكان.
سعت إيران بشدّة إلى أن تبقى مقاومتها لإسرائيل والغرب في سياسة وخطاب جمعة، وأن لا تصل إلى مواجهة حقيقية، لكنها انزلقت في الآخر وأخذتها الأحداث إلى حقيقة المواجهة مع إسرائيل وخوض الحرب.
أرادت إيران حماية نفسها مما يحدث الآن، حتى عندما خرجت غزة عن السيطرة، لم تكن مستعدة للمبادرة ودخول الحرب، لكن في النهاية، انتهى المسار الذي سلكته إلى هذه النتيجة.
كانت إيران ترغب باستخدام أجنحتها ووكلائها في المنطقة كجدار عازل لإبعاد شرار الحرب عن مدنها، وخاصة العاصمة طهران، مع مواصلة تطوير برنامجها النووي في الداخل.
لقد نجحت إيران في تطبيق هذه السياسة منذ زمن طويل (الحرب في الخارج، والسلام والتقدم في الداخل)، لكن بالنتيجة تحطمت الجدران ووصلت نيران الحرب إلى الجانب الآخر من الحدود.
ومع أن طهران لم تستخدم ورقة الفصائل في العراق واليمن، إلا أن خسارة سوريا ولبنان أضعفت أوراقها تماماً في مواجهة الجبهتين الإسرائيلية والأميركية.
هل ستنجو إيران الآن بعد أن أصبحت بين فكّي الأسد؟
الجميع يعلم أن ما تريده إسرائيل والولايات المتحدة من طهران، وخاصة في هذه المرحلة، هو تصفير على برنامجها النووي، ووقف سياسة التدخل الخارجي وخلق التهديدات.
لكن يجب ألا ننسى أن إيران القوية عسكرياً - التي ترفع شعار تدمير إسرائيل – تبقى مشكلة لإسرائيل حتى لو لم تكن تمتلك أسلحة نووية، لذلك كان يظهر على نتنياهو رغبة كبيرة بفشل المفاوضات وضرب إيران. لم يكن الضوء الأحمر الأميركي قد تحوّل إبى أخضر بعد، كان لا يزال أصفر، عندما وجّه نتنياهو طائرات الجيش الإسرائيلي إلى طهران.
إذا كانت الولايات المتحدة تريد إيران خالية من الأسلحة النووية، فإن إسرائيل تريد أكثر من ذلك، هي تريد التخلص من "الرهاب" الإيراني، وهذا كلام يحمل معان كثيرة.
رفضت إيران الامتثال لمطالب نزع السلاح النووي، والمفاوضات عقيمة، على إيران الآن تسليم رمز برنامجها النووي عبر الضغط العسكري، أو التوصل إلى اتفاق يرضي إسرائيل والغرب حول هذا الموضوع.
ويبدو أن العقوبات الاقتصادية والضغط السياسي أولاً لم يحدثا تأثيراً يذكر على إيران، ورغم صعبة الوضع الاقتصادي لكن إيران عززت ترسانتها العسكرية، لذلك لا يريد ترامب تكرار اتفاق عام 2015.
الآن، حدث ما لم تتوقعه إيران، وصلت النيران إلى طهران، وأصبح الصيد في قفص الصياد، ولم يبق أمام إيران سوى سبيل واحد للنجاة وهو (صفر يورانيوم)، وإلا فسيستمر الضرب الضغط العسكري عليها.
هنا تتشكل الأسئلة: هل ستتحمل إيران هذا؟ ماذا يمكنها ان تفعل في المقابل؟ ما هي أوراقها؟ هل تواصل قصف حيفا وتل أبيب؟ وإن أرادت سحب ورقة الفصائل ضد الوجود الأميركي في العراق وإلحاق الضرر به هل سيجدي ذلك نفعاً؟.
بالنظر إلى كل هذه الأسئلة، وفي حين تتعرض إيران بشكل يومي إلى الضربات الإسرائيلية، فإن مساحة التفكير واتخاذ القرار لدى الإيرانيين تضيق باستمرار. لذا، كخيار، يمكن لإيران أن تقاوم ولا تستسلم، وهذا يعني اتباع طهران نفس نهج حماس عندما رفضت الاستسلام للضرب أو التصدّع.
والسؤال التالي هو: هل يمكن للطبقة السياسية في طهران ان تفعل ما فعلته حماس؟ هل يمكن لطهران ان تلعب دور غزة؟ هذه المقارنات متباعدة نوعاً ما.
هل هناك فرصة لانتصار طهران؟
لاشك أنه في الأيام الأخيرة، كطهران، لم تكن تل أبيب آمنة، وكام يقولون هم فهذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل إلى ضربة بهذه الشدّة في تاريخها.
ولكن هل تستطيع هذه الضربات ردع إسرائيل أم تزيد من ردّ فعلها؟ ومن الخاسر الأول في لعبة الفعل وردّ الفعل على المدى الطويل؟
في هذه الحرب إن الوقت ليس في صالح طهران أبداً، وما يمكننا تصوره كفرصة نصر لطهران هو فقط التالي: إذا استطاعت طهران إلحاق ضرر تاريخي بإسرائيل بضربة قاتلة واحدة، حينها يمكن القول إنه توجد لطهران فرصة للنجاة من هذه الحرب دون تحقيق رغبات خصومها.
لذا، من الواضح جداً أن الحرب ليست في صالح إيران لا من حيث الوقت ولا من حيث الجغرافيا أو التكنولوجيا العسكرية.