مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق المقرر أن تجرى في 11 تشرين الثاني المقبل، تتزايد المخاوف في المحافظات السنية من وجود توجّه للفصائل المسلّحة، عبر استخدام أساليب مختلفة، بهدف الحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابية في تلك المحافظات.
جدّية الفصائل المسلحة في الحصول على مقاعد في المحافظات السنية، لا يترجمها فقط الترشّح المكثّف لتلك القوى للانتخابات البرلمانية، وإنما يجسّدها أيضاً سعيها لتأمين نتائج انتخابية جيّدة عبر توظيف مختلف الوسائل والإمكانيات بما في ذلك الضغط باستخدام سلاح الحشد الشعبي، حسب رؤية باحثين ومراقبين للشأن السياسي العراقي.
الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، استبعد هذا الأمر، وقال إن "الفصائل المسلّحة، لا يمكنها حصد عدد كبير من الأصوات خلال الانتخابات في المحافظات السنيّة".
وبين في حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "الفصائل لا تمتلك شعبية واسعة في المحافظات السنية، بسبب أفعالها السابقة، ولكن هي تسعى للضغط على الحشود العشائرية، لغرض الحصول على أصواتها، واستغلال المال العام، والنفوذ، وأصوات الأجهزة الأمنية، عبر ممارسة الضغط والإبتزاز والترهيب".
وأضاف، أن "مسؤولية مفوضية الانتخابات، هي الكشف عن الممارسات غير الديمقراطية، والوقوف بوجه التجاوز على الانتخابات، بهدف إعادة الثقة لعملية الانتخابات، لأن الشكوك كبيرة، وخاصة فيما يتعلق باستغلال المال العام، وأصوات الحشود، ويجب على المفوضية ممارسة صلاحيتها الدستورية والقانونية".
أحداث إيران وتراجع النفوذ
من جهة أخرى، يرى محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، أن كل الأطراف ستسعى للحصول على أكبر عدد من المقاعد، ولكن "فرصة" الفصائل المسلحة أقل هذه المرة من انتخابات مجالس المحافظات، في هذا الإطار.
وأوضح النجيفي في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "ما حصل في إيران سيكون له تأثير كبير على الفصائل المسلّحة، وأصواتها، وذلك ليس في المحافظات السنية فحسب، وإنما في جميع المحافظات الأخرى".
وعلى الرغم من ممارسة "الترغيب والترهيب"، من قبل الفصائل المسلحة، ومحاولة "استغلال" الحشود العشائرية وأصواتها في الانتخابات، لا يمكن تكرار ما حصل في انتخابات مجالس المحافظات العراقية، و"سيتراجع" تمثيل الفصائل في الانتخابات المقبلة، في المحافظات السنية، يقول النجيفي.
وتشهد المحافظات السنية حراكاً غير مسبوق لقادة الفصائل على صعيد التحالفات، وكان آخرها ما جرى من تحالف بين كتلة "صادقون"، وهي الجناح السياسي لـ"عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، مع عشائر تكريت، وعلى رأسهم عشيرة البو ناصر، التي ينتمي لها رئيس النظام السابق صدام حسين.
وبحسب عدد من المراقبين، فإن طموح الأحزاب والفصائل المسلّحة بدأ يمتدّ نحو توسيع المشاركة في إدارة تلك المناطق السنيّة، والإمساك بزمام حكوماتها المحلّية، وهو ما يعكسه ترشّحها المكثّف للانتخابات في تلك المحافظات سواء من خلال ائتلافاتها المعلنة، أو عبر مرشّحين تابعين لها ومتحالفين معها داخل الائتلافات الأخرى.
تكرار تجربة نينوى
وكشف مصدر سياسي، عن دخول كتلة "العصائب" بـ24 مرشحاً للانتخابات في محافظة صلاح الدين، فيما تمتلك كتلة رديفة أخرى، عبر تحالفات مع عدد من شيوخ العشائر، وأساتذة الجامعات، فيما دخلت الانتخابات أيضاً في محافظة نينوى، ولكن بقائمة وعدد أقل من المرشحين.
ويضيف المصدر لـ"الجبال"، أن "كتلة بدر هي الأخرى دخلت السباق الانتخابي بقوة في صلاح الدين ونينوى، ودخلت بتحالفات مع كتل أخرى في محافظة الأنبار".
بينما تدعم "كتائب حزب الله"، و"سيد الشهداء"، عدداً من المرشحين في نينوى والأنبار، فيما يعد رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، هو الطرف الأقوى في المحافظات السنية، والذي يشارك في نينوى وصلاح الدين، وجزء من الأنبار، عبر تحالفات مع شيوخ العشائر ومسؤولين في الحكومات المحلية، وقادة الحشود في تلك المحافظات".
وذكر المصدر، أن "كتلة بابليون بزعامة ريّان الكلداني، والتي تمتلك فصيلاً مسلحاً باسم لواء 50، هي الأخرى لديها كتلة انتخابية، بمسمى بابليون، وأخرى رديفة، تضمّ قوى عشائرية، وعدداً من أساتذة الجامعات، يترأسها عضو مجلس محافظة نينوى الحالي مروان الطائي".
ترهيب وترغيب وازدواجية
وبحسب مطّلعين على الشأن السياسي في العراق، فإنّ قوى وشخصيات سنيّة منهكة من الصراعات داخل مكونها باتت بمثابة "حصان طروادة" للقوى المسلّحة، لاختراق المناطق السنيّة أملا في الاستفادة من السلطات غير المسبوقة التي اكتسبتها الأحزاب والفصائل، عبر امتلاكها زمام السلطة في تلك المناطق.
وسيطرت قوى الإطار التنسيقي والجهات المقربة من الفصائل المسلحة على محافظة نينوى، وحصلت على منصب رئاسة مجلس المحافظة، والنائب الثاني للمحافظ، فضلا عن منصب النائب الأول لمحافظ صلاح الدين، ومناصب أخرى في المحافظتين.
إلى ذلك يُشير مصطفى الدليمي، وهو أحد شيوخ عشائر الأنبار إلى، أن "الفصائل المسلحة تستخدم أسلوب الترغيب تارة من خلال التعيينات في الحشد، وشراء ذمم شيوخ العشائر، عبر تمكينهم في مناطقهم، وتارة أخرى تستخدم الترهيب في المحافظات التي ينتشرون فيها".
وذكر في حديثه لمنصّة "الجبال"، أن "الفصائل تقوم بتهديد سكّان المناطق التي ينتشرون فيها، وخاصة في مناطق سهل نينوى، وجنوب الموصل، ومناطق تكريت وبلد، والدجيل، وسامراء، وبيجي في صلاح الدين، وبعض مناطق الأنبار، ومدن وقرى في ديالى، ومن لا ينتخبهم يتعرض للمضايقة والتهديد".
وأضاف، أن "الفصائل المسلّحة تقوم بإجبار قادة الحشود العشائرية في المحافظات السنية على جمع أكبر عدد من البطاقات الانتخابية الخاصة بعناصرهم وأهاليهم، ومن لا يقوم بهذه المهمة، يتعرض للتهديد بطرده من المنصب، أو إيقاف تمويل حشده بالمال والسلاح".
وأردف بالقول، إن "الفصائل المسلحة يحق لها الترشّح بقوة في المحافظات السنية، والحصول على المقاعد والمناصب، بينما لا يحق للكتل السنية الترشح في المحافظات الشيعية، ولو أقدمت كتلة سنية على هذا الأمر لتعرضت للمضايقة الشديدة، وهذه أزواجية في تطبيق المعايير".
وأوضح، أن "دور الحكومة العراقية ومفوضية الانتخابات ضعيف جداً، في السيطرة على عملية استخدام الأجهزة الأمنية والحشد لغرض المنافسة الانتخابية، وما يجري في المحافظات السنية، هو خرق كبير، لا يمكن السكوت عنه، ويؤكد وجود نية مبيتة، للسيطرة على القرار في المدن السنية".
وبحسب متخصصين، فإن طموحات القوى المسلحة في السيطرة على المناطق السنية تمتد نحو محافظات ذات أهمية إستراتيجية وتتحكّم في موازنات مالية ضخمة مخصصة، وعلى رأسها نينوى والأنبار، وكذلك كركوك التي تحوي أراضيها مخزونات كبيرة من النفط.
قوائم رديفة وتحالفات
من جانب آخر يرى الباحث في الشأن السياسي عبد الله الحديدي، أن "الفصائل المسلّحة إذا نزلت للسباق الانتخابي باسمها الصريح، لن تحصل على مقاعد كثيرة في المحافظات السنية".
وأكد في حديث لمنصّة "الجبال"، أن "الفصائل المسلحة تستغل نفوذها في وزارة التعليم وهيئة الحشد الشعبي ومؤسسات أخرى، لغرض تشكيل قوائم رديفة من شيوخ عشائر وأساتذة جامعات، وشخصيات اجتماعية، وقادة حشود في المحافظات السنية".
وتابع أن "تلك الفصائل تسعى لتكرار تجربة نينوى في محافظات أخرى، لغرض السيطرة على القرارين الأمني والإداري في تلك المحافظات، وضمان وجودها بشكل قانوني".