يواجه الحشد الشعبي في العراق، مستقبلاً معقداً ومجهولاً، فبين الرفض الأميركي لتشريع قانونه الجديد، ودعوات "حصر السلاح بيد الدولة"، تذهب تحليلات نحو سيناريوهات محتملة بشأن مصير تلك المؤسسة، التي يواجه حديث حلّها بالرفض المطلق محلياً، بينما سيناريو دمجها بالمؤسسات الأمنية أو العسكرية قد يلاقي مرونة بعض الشيء.
يرى مراقبون ومتخصصون، أن الحشد الشعبي يواجه في ظل الضغوطات الأميركية، خيارين لا ثالث لهما، وهما الدمج في المؤسسة الأمنية أو العسكرية، أو أن يكون جهة مساندة لوزارتي الدفاع والداخلية، تحت مسمّى "الحرس الوطني".
وفي 16 تموز الجاري، أنهى مجلس النواب العراقي، تقرير ومناقشة مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي، بعد أن أرفق الفقرة في جدول أعماله، بعد اكتمال نصاب جلسته وافتتاحها، الأمر الذي واجه معارضة من قبل عدد من الكتل السياسية السنيّة داخل البرلمان.
"التحول لنموذج مشابه للحرس الثوري"
وفي هذا الإطار، يرى الخبير الأمني والاستراتيجي سيف رعد طالب، أن مستقبل الحشد الشعبي في العراق، يبقى موضوعاً "معقداً ومثيراً للجدل".
وقال رعد في تصريح لمنصّة "الجبال"، إنه "نظراً لدوره المزدوج كجزء من القوات المسلحة العراقية الرسمية وفي الوقت ذاته بعض الفصائل المسلحة المنضوية بداخله لديها ارتباط آيديولوجي وقيادي بولاية الفقيه أو الحرس الثوري الإيراني. الهيئة أصبحت جزءاً رسمياً من القوات المسلحة العراقية بموجب قانون هيئة الحشد الشعبي لعام 2016، ما منحه شرعية قانونية وميزانية حكومية؛ لكن يبدو أن مشروع القانون الجديد الذي أثار جدلاً في 2025، أثار مخاوف أميركية بأن التنظيم الوظيفي لتعزيز الهيكلية الإدارية للهيئة قد تعزز النفوذ الإيراني، ويحوّل الحشد إلى نموذج مشابه لـ(الحرس الثوري)"، مشيراً إلى أنه "لأول مرة نرى هناك انقسامات داخل قبة البرلمان، حتى من النواب الشيعة، حول هذا القانون، ما يعكس توتّرات سياسية كبيرة وقد تؤثر هذه الانقسامات على قدرة الحفاظ على الحشد ووحدته ونفوذه".
وأضاف، "لا بد من الإشارة بأن الحشد الشعبي لعب دوراً حاسماً في هزيمة تنظيم داعش منذ 2013 إلى 2017، ما يمنحه شعبية كبيرة بين شرائح معينة من الشعب العراقي، ومع تراجع تهديد تنظيم داعش الإرهابي، يواجه الحشد تحديات في إعادة تعريف دوره، حيث يُنظر إليه الآن من بعض الأطراف السياسية كقوة سياسية وعسكرية ذات نفوذ اقتصادي واجتماعي ويستغل لأغراض انتخابية. فبعض الفصائل أصبحت تشارك في الانتخابات وأصبحت تؤثر على صنع القرار في داخل البرلمان والحكومة العراقية".
سيناريوهات محتملة وارتدادات
ولفت الخبير الأمني إلى أن "هناك بعض السيناريوهات المحتملة إذا خضعت الحكومة للضغوط الخارجية والأطراف الداخلية، أولها محاولة دمج الحشد بشكل كامل في الجيش وأجهزة الدولة المختلفة؛ لتقليل نفوذ الفصائل، وضمان خضوعها لسلطة الدولة، هذا السيناريو كان مدعوماً من رؤساء وزراء سابقين مثل: حيدر العبادي، ومصطفى الكاظمي، وأيضاً من شخصيات بارزة لديها ثقل ديني وسياسي وشعبي كبير مثل: مقتدى الصدر، لكن من الصعب تطبيقه بدون اجماع وطني شامل، أو محاولة تفكيك الفصائل أو تقليص دور الحشد من خلال ضغوط اقتصادية وعسكرية وسياسية خاصة من الولايات المتحدة الأميركية، وارتداد هذا السيناريو يجعل العراق أمام توتّرات داخلية وتحديات اقتصادية كبيرة".
السيناريو الآخر، بحسب طالب، هو "إعادة الهيكلة عن طريق إجراء إصلاحات محدودة داخل هيئة الحشد، مثل تنظيم هيكليته الإدارية دون المساس بجوهره لتخفيف الضغوط الدولية مع الحفاظ على دوره الأمني والسياسي، هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، ويمثل توازناً بين تلبية المطالب الأميركية والحفاظ على مصالح الفصائل المسلحة".
ورأى طالب، أن "تحديات الانقسامات السياسية داخل العراق، هي من أبرز الأسباب الرئيسية لتحديد شكل السيناريو الذي سيوضح مستقبل الهيئة في ظل ضغوط خارجية محتملة، وأهمها الضغط الاقتصادي والعسكري الذي قد تتبناه الولايات المتحدة الأميركية. وأعتقد ابتدأت بمحاولة تعطيل صرف رواتب المقاتلين عبر شركات الدفع الإلكتروني، كما يمكن أن تتجه بتصعيد الضغط على الحكومة العراقية بشكل مباشر للحد من تمويل الحشد بأي مبالغ مالية. فالاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على النفط ومبالغ بيعه تدخل في خزينة البنك الفيدرالي الأميركي، فالهيمنة على الدولار من قبل قرارات الخزانة الأميركية تجعل الحكومة أمام موقف حرج ومعقد جداً".
ولفت إلى أن "إعلان الخارجية الأميركية رفضها العلني لمشروع قانون الحشد، يعكس تصعيداً حقيقياً؛ وهو جزء من استراتيجية أمنية تحاول فيها واشنطن تقليل النفوذ الإيراني في العراق، وهذا الرفض قد يشير إلى استعداد أميركي لممارسة ضغوط إضافية، سواء اقتصادية أو سياسية او عسكرية، لمنع ما يسمى تعزيز هيمنة الحشد".
وأشار إلى أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، يتبنى نهجاً متوازناً حذراً لتجنب استفزاز واشنطن أو طهران، مما قد يعزز سيناريو الإصلاحات المحدودة بدلاً من التفكيك أو الدمج الكامل. بالنتيجة أعتقد بأن مستقبل هيئة الحشد الشعبي من المرجّح أن يستمر كقوة عسكرية وسياسية رئيسية، مع احتمال إجراء إصلاحات محدودة لتهدئة الضغوط الدولية؛ لأن الانقسامات الداخلية والنفوذ الإيراني سيجعلان أي تغيير جذري صعباً".
نايتس: النجباء وكتائب حزب الله وسيد الشهداء تلحق الضرر بالدولة العراقية
من جانبه، حمّل الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مايكل نايتس، بعض الفصائل المسلحة، قال إنها "داخل الحشد الشعبي"، مسؤولية الهجمات الأخيرة على البنية التحتية النفطية، والرادارات العراقية، فيما أشار إلى أن المرجعية الدينية، "تناقش بجدية جعل قضية حصر السلاح بيد الدولة، رئيسية في الانتخابات".
وقال نايتس في تصريح لمنصّة "الجبال"، "يبدو أن المرجعية الدينية في العراق، ممثلة بالسيد علي السيستاني، تناقش بجدية كيفية جعل قضية حصر السلاح بيد الدولة، قضية رئيسية في الانتخابات".
وأضاف نايتس: "يتحدث كل من حوزة النجف، والصدر، علناً، عن إصلاح هيئة الحشد الشعبي. في المقابل، تحاول الفصائل المسلحة تسريع تمرير قانون الحشد الشعبي في البرلمان لجعله مؤسسة دائمة".
وتابع، أن "هذه الهجمات على البنية التحتية النفطية العراقية، وربما على الرادارات العراقية أيضاً (في أواخر يونيو/حزيران)، تظهر أن الفصائل المسلحة داخل الحشد الشعبي، مثل: كتائب سيد الشهداء، كتائب حزب الله، وحركة النجباء، خرجت عن السيطرة وتلحق الضرر بالدولة العراقية".
وفي وقت سابق اليوم، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية معارضتها "الشديدة" لأي تشريع يتعلق بقانون الحشد الشعبي، مؤكدة أنه "يتعارض" مع سيادة العراق ومصالح واشنطن فيه.
وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، لمنصّة "الجبال"، قائلاً إن الولايات المتحدة "تعارض بشدة أي تشريع يتعارض مع أهداف مساعداتها الأمنية الثنائية وشراكتها، ويناقض تعزيز المؤسسات الأمنية العراقية القائمة والسيادة العراقية الحقيقية".
وأضاف أن "مشروع القانون هذا يضفي الشرعية على جماعات مسلحة مرتبطة بكيانات وقادة إرهابيين، بمن فيهم بعض من هاجموا مصالح الولايات المتحدة وقتلوا أفراد أميركيين"، مشدّداً أن "هذه خطوة غير مفيدة على الإطلاق".
وفيما يتعلق بالإجراءات المحتملة، قال: "لن ننخرط في افتراضات، ولكن، كمسألة سياسة، سنواصل اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد المؤسسات المالية المملوكة أو التي تقدم خدمات لجماعات إرهابية مصنفة".
خياران لا ثالث لهما لتسوية الوضع القانوني للحشد
من جانبه، تحدّث الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية أحمد الشريفي، عن خيارين أمام هيئة الحشد الشعبي لا ثالث لهما، في إطار تسوية الوضع القانوني للحشد العشبي، خلال المرحلة المقبلة، وذلك في ظل الرفض الأميركي لقانون الهيئة الجديد.
وقال الشريفي في تصريح لمنصّة "الجبال"، إن "هناك قضية مهمة تتغافل عنها القوى السياسية الحاكمة والمتنفذة، وهي أن العراق ما زال كنظام سياسي وكدولة تحت الوصايا الدولية، وهناك تكليف من مجلس الأمن إلى الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بالشأن السياسي والأمني العراقي بإدارة هذا الأمر".
وأوضح الشريفي، أنه "في ظل العراق تحت الوصايا الدولية، فهو لا يحق له التصرف خارج إطار القيد الدولي، فهذا القيد ملزم بموجب القانون الدولي، والقانون الدولي لا يكسر بالقانون المحلي، خاصة في ظل الدولة التي تصنف بأنها (بؤر تهدّد الأمن الدولي)، والعراق ضمن تلك الدول، وهو متحقق منذ اجتاح تنظيم داعش ولغاية الآن، وهذا يعني أن العراق تحت الوصايا الدولية".
وأضاف، أن "الحشد الشعبي وفق معاييره الحالية وبنظريته الحالية، التي هي تجسيد لنظرية الحرس الثوري في ايران، لن تُقبل في العراق، ولن تُفرض كواقع حال على الولايات المتحدة الأميركية، وهذا يعني أن القانون لن يمرر".
وأكد الخبير، أن "مستقبل الحشد الشعبي، يواجه خيارين، الأول: أن يدمج ضمن وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، وتصبح ألوية بأمرة القائد العام للقوات المسلحة والوزارة التي تدمج فيها".
تجربة "الحرس الوطني"
وتابع الخبير الشريفي حديثه عن "الحل الثاني"، قائلاً: "هي تجربة موجودة في الولايات المتحدة الأميركية وكذلك السعودية وهي: (الحرس الوطني)، ويكون هذا الحرس بقدرات تسليحية أعلى من وزارة الداخلية أو أدنى من حيث القدرات التسليحية من وزارة الدفاع، ويكون سانداً إلى وزارة الداخلية في حال حصول أي أزمات أمنية داخلية، ويكون سانداً لوزارة الدفاع في حال حصول أي أزمة للجبهة الخارجية، ويكون خاضعاً إلى لوائح وقوانين كحال المؤسسة العسكرية والأمنية في الداخلية والدفاع، من حيث شرط العمر والتأهيل واللياقة البدنية والتدرج الوظيفي".
وختم الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، حديثه بالقول، إن "تمرير قانون الحشد الشعبي صعب جداً في ظل الرفض الأميركي، وليس هناك إمكانية لفرضه على واشنطن، ومستقبل الحشد الشعبي سيكون أمام خيارين، الدمج أو تحويله لتجربة الحرس الوطني وفق القوانين العسكرية كحال الجيش والشرطة بعيداً عن تدخلات سياسية".
وكان الإطار التنسيقي، التحالف الشيعي الحاكم في العراق، قد رفض ما وصفه بـ"التدخل الأميركي" في قضية إقرار قانون الحشد الشعبي.
وقال النائب عن الإطار مختار الموسوي، لمنصة "الجبال"، إن "إعلان وزارة الخارجية الأميركية معارضتها إقرار قانون الحشد الشعبي أمر مرفوض وهذا تدخل سافر في الشأن العراقي الداخلي، ونحن ماضون بإقرار القانون خلال الجلسات المقبلة لمجلس النواب"، مردفاً بالقول إن "هناك إجماعاً سياسياً على ذلك رغم كل الضغوطات سواء كانت داخلية أو خارجية".
ولفت إلى، أن "الحشد الشعبي مؤسسة رسمية، ويجب أن يكون لها قانون وهيكلية كباقي الصنوف الأمنية والعسكرية العراقية الأخرى"، مشيراً إلى أنه "يجب رفض أي تدخل أميركي أو خارجي بهذا الشأن، وأن تصريحات وزارة الخارجية الأميركية مرفوضة وهي تمس سيادة العراق".