كل شيء بدأ منذ إعادة انتخاب نوري المالكي أميناً عاماً لحزب الدعوة الإسلامية، نحو 20 عاماً من توليه المنصب كانت كفيلة بظهور الانشقاقات والخلافات الداخلية للحزب الذي يُعد من أقدم الأحزاب السياسية في العراق. "انقلاب ناعم" وانسحابات بالجملة داخل حزب الدعوة والسبب "تفرّد المالكي بالقرارات والانحراف عن مسار الحزب"، وفق المنشقين، الأمر الذي قاد إلى تشكيل "مجلس خاص" على رأسه الزهيري والأديب والعلاق وسط توقعات بالتحاق قيادات أخرى من الصف الأول إليهم.
انقلاب ناعم داخل حزب الدعوة
بعد إعادة انتخاب نوري المالكي أميناً عاماً لحزب الدعوة في الثاني عشر من نيسان/ أبريل الماضي، ورغم ادعاء الحزب بأن الانتخاب تم بالإجماع، إلا أن مصادر سياسية أكدت أن ما حدث لم يكن كذلك، وأن العديد من قيادات الصف الأول في الحزب عارضت ذلك الانتخاب وبدأت تمرداً داخلياً تمثّل بانسحاب العديد منهم.
وبهذا الصدد، أكدت مصادر سياسية رفيعة لمنصّة "الجبال"، أن "أبرز المنسحبين من حزب الدعوة هم كل من عبد الحليم الزهيري، وطارق نجم ، وعلي العلاق، وعلي الأديب ، ووليد الحلّي".
وحزب الدعوة الإسلامية، حزب سياسي عراقي وأحد الأحزاب الشيعية الرئيسية، تأسس في العام 1957 ويُعد المرجع الديني محمد باقر الصدر (أعدمه النظام السابق) أحد أبرز مؤسسيه.
وأضافت المصادر، أن "هؤلاء القيادات وصفوا واقع الحزب بـ(المنحرف عن خط الشهيد الصدر)، وانتقدت القيادة الفردية والتحالفات السلطوية التي أفرغت الدعوة من جوهرها العقائدي".
وأشارت المصادر إلى أن "الزهيري والأديب والعلاق، خرجوا عن صمتهم وأسسوا (مجلس الدعوة الخاص)، في خطوة تهدف لاستعادة هوية الحزب من سطوة المالكي"، وفق تعبيرهم.
بيان تحذيري باسم الدعاة
بعد إعادة انتخاب المالكي أميناً عاماً لحزب الدعوة، و"التمرد الداخلي" وانسحاب القيادات آنفة الذكر، حذرت مجموعة تطلق على نفسها "الدعاة" من حزب الدعوة الإسلامية، قيادات الحزب بسبب ما وصفتها بـ"منظومة الفساد المتغلغلة بمفاصل الحزب".
وجاء في تحذير "الدعاة" لقيادات حزب الدعوة: "هذه فرصتكم الأخيرة قبل المواجهة.. إلى المالكي وما تبقّى من قيادة حزب الدعوة الإسلامية، وإلى لجان العمل والانضباط، وإلى منظومة الفساد المتغلغلة في مفاصل الحزب، وعلى رأسها حسن السنيد، عامر الكفيشي، محمد الياسري، ومن تبعهم من المتسلّطين على القرار الحزبي والتنظيمي: بعد أن بلغ السيل الزبى، وبعد صبر طويل وعشرات المناشدات والنصائح واللقاءات، وبعد أن أقسمنا عليكم بالله وبدماء الشهداء أن تتقوا الله في هذا الحزب المبارك، إلا أنكم تماديتم في غيّكم، وعاندتم طريق الإصلاح، وسخّرتم اسم الدعوة الإسلامية لتصفية الحسابات، ومارستم الإقصاء والتمييع والتخريب من الداخل، حتى أصبح الحزب واجهة لشرعنة الفاسدين، ومأوىً لأبناء العوائل البعثية، ومتجرًا لبيع المناصب والمواقع".
وأضاف "الدعاة" مخاطبين قيادات حزب الدعوة وعلى رأسهم المالكي: "إنّكم باستهزائكم بمشاعر الدعاة الرساليين، وبسكوتكم عن الانحراف، قد خنقتم أصوات النصيحة، وكمّمتم أفواه المخلصين، وأضعتم الأمانة التي أُودعت في أعناقكم، وعليه، نُعلنها بوضوح وصراحة إنّ إبعاد الفاسدين وأبناء البعث والعوائل البعثية من كل مفاصل الحزب، هو الشرط الوحيد الذي يجعلنا نُعيد النظر في قرارنا باللجوء إلى المرجعية العليا".
وأتم "الدعاة" تحذيرهم بالقول: "وإلّا فإننا، وبعد أيام قليلة، سنشرع بتشكيل وفود تمثّل الدعاة الرساليين، تتوجّه إلى المراجع العظام، لتقديم الاستفتاءات الشرعية النهائية، وكشف الحقائق كما هي، دون رتوش أو مجاملات، لعلّ الفتوى المرتقبة تكون فصلًا بين عهد الشهداء وعهد التجار، وبين الدعوة الحقيقية ودعوة المقاولات، فصبرنا قد نفد، وأبوابنا لن تُفتح بعد اليوم للمساومة، وإننا نحملكم كامل المسؤولية الشرعية أمام الله، وأمام الأمة، وأمام المرجعية الدينية".
بعد تحذير "الدعاة" هذا، ردّ حزب الدعوة "بشكل مبطن" وأصدر بياناً رسمياً جاء فيه: "يؤكد حزب الدعوة الإسلامية أن التصريحات التي نُسبت في الآونة الأخيرة إلى مَن وصفتهم بعض المنصات الإعلامية بـ(شخصيات قيادية) في الحزب، لا تمثّل الموقف الرسمي للحزب ولا تصدر عن جهات مخوّلة".
وجدد الحزب وفق بيانه، تأكيده بأن "المخوّل الوحيد بالتعبير عن مواقفه هو الأمين العام، أو ما يُنشر رسمياً عن طريق المكتب السياسي أو المكتب الإعلامي للحزب".
"مجلس الدعوة الخاص"
بالعودة إلى "الانقلاب الناعم" وتأسيس "مجلس الدعوة الخاص" من قبل مجموعة من أبرز قيادات الصف الأول في حزب الدعوة الإسلامية، حاولت "الجبال" الوصول إلى تفاصيل أكثر، ليؤكد لها أحد المقربين من الدعوة، أن كل ما ذُكر صحيحاً بل أن هنالك تصعيداً أكثر في حال أصرّت قيادات الحزب على عدم تنظيف الداخل وإعادة تصحيح المسار.
وأكد المقرب من الحزب لـ"الجبال"، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "ما حصل هو رد فعل طبيعي على هيمنة المالكي على الحزب لنحو 20 سنة، فالمجلس لا يسعى إلى انقلاب لكي يستلم أحد أعضائه الحزب، بل يريد إصلاح الحزب وتصحيح مساره بعد أن انحرف بشكل واضح عن أهدافه".
وتولى المالكي الأمانة العامة للحزب منذ العام 2006، إبّان توليه رئاسة الحكومة العراقية، بدلاً عن إبراهيم الجعفري الذي انشق عن حزب الدعوة وشكل جناحا سياسياً جديداً.
المجلس الذي يضم الزهيري، وطارق نجم عبد الله، وعلي العلاق، وعلي الأديب، ووليد الحلي، إلى جانب آخرين من القادة البارزين الذين ابتعدوا أو أُبعدوا عن مركز القرار، يؤكد أنه ليس انشقاقاً ولا إعلاناً عن ولادة كيان موازٍ، بل خطوة تصحيحية داخلية تهدف إلى "إعادة الحزب إلى خط السيد الصدر الأول" كما ورد في أول بيان غير معلن للمجلس حصلت عليه مصادر التحقيق.
إلى ذلك، قال أحد القياديين المنضمين إلى المجلس شريطة عدم ذكر اسمه، إن "ما يجري داخل الدعوة مؤلم. لقد تحول الحزب من مشروع إصلاحي عقائدي إلى كيان وظيفي خاضع لأمزجة فردية. هناك من اختزل الحزب بتاريخه وحاضره بشخص واحد، وهذا ما لا يمكن السكوت عليه أكثر".
وبحسب مصادر سياسية، فإن "المجلس يعمل على عقد لقاءات تنظيمية موسّعة مع الدعاة السابقين والكوادر التي تم تهميشها أو أُجبرت على الابتعاد خلال السنوات الأخيرة، بهدف إعادة فتح باب التنظيم على أساس الالتزام بالمبادئ لا الولاء للأشخاص، والتركيز على أن حزب الدعوة لا يزال يمتلك القابلية للنهوض، إذا ما عاد إلى قاعدته الشعبية وبُني مجدداً على روح الشورى والعمل الجماعي التي أسسها الصدر الأول".
لقد كشف إعلان "مجلس الدعوة الخاص" عن تصدع داخلي كبير داخل حزب الدعوة حتى مع تأكيد أعضائه بأنهم لا يسعون إلى خلق أزمة داخل الحزب بقدر ما يريدون تصحيح مساره، رغم أن هذا الإعلان أثار ردود فعل متباينة بين مؤيد للمجلس وآخرين يرونه محاولة تشويش عمل الحزب من قوى فقدت تأثيرها.
وبهذا الصدد، كشف مصدر سياسي رفيع، عن "إمكانية التحاق قيادات مخضرمة أخرى بالزهيري والعلاق والأديب والحلي وباقي المنسحبين من حزب الدعوة".
وقال المصدر لـ"الجبال"، إن "تفرد المالكي بالقرار وتحكمه في شخصيات ومقدرات الحزب أثار استياءً عارماً منذ مدة طويلة"، مؤكدا أن "خطوة تشكيل المجلس هذا والانشقاق عن الدعوة ليست وليدة اللحظة بل جاءت بعد دراسة ومناقشة بين الأطراف المنسحبة".
وأضاف، أن "القيادات المنسحبة تؤمن بضرورة اختزال الحزب بشخصية واحدة وهي نوري المالكي أو المقربين منه، لذلك لجأت إلى هذه الخطوة بعد أن عجزت عن الكلام مع إدارة الحزب طوال الفترة الماضية".
استطلاع حول "انشقاقات الدعوة" وتأثيرها على الشارع العراقي
وبحسب حديث خبير بالشأن السياسي، فإن "الانتخابات العراقية غالباً ما تتسبب في ظهور خلافات داخلية حول توزيع المناصب والترشيحات، مما يؤدي إلى انقسامات بين قادة الأحزاب، وبالتالي فإن الانتخابات المقبلة لعبت دوراً محورياً في تأجيج الانقسامات داخل حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي، وذلك بسبب التنافس على السلطة وطبيعة التحالفات السياسية".
ويقول الخبير لمنصّة "الجبال"، الذي اشترط عدم ذكره اسمه، إن "حزب الدعوة الإسلامية شهد الكثير من الانشقاقات والخلافات على مَرّ تاريخه، وأبرزها ما حصل في انتخابات عام 2018، عندما ظهرت خلافات كبيرة بين نوري المالكي وحيدر العبادي، وكليهما من قادة الحزب، مما أدى إلى انقسامات كبيرة آنذاك"، لافتا الى أن "هناك معلومات جديدة تفيد بحدوث انشقاقات بسبب نزعة الكثير من قيادات الحزب إلى التفرد بالقرارات وضعف الشورى".
وأضاف، أن "نتائج الانشقاقات المتكررة تؤدي إلى إضعاف حزب الدعوة وتشتيت قوته السياسية، بالإضافة الى أنها تسبب تغييرات في التحالفات السياسية وتأثيرها على المشهد السياسي العراقي خصوصا مع قرب الانتخابات التشريعية"، مشيراً إلى أن "ظهور الانشقاقات في الوقت القريب ستحدث جدلاً حول مستقبل حزب الدعوة ودوره في العملية السياسية، وتأثير ذلك على التحالفات السياسية الشيعية".