حتى ليلة الاثنين 22 تموز 2025، كان موظفو إقليم كردستان يعيشون حالة من الترقب: فقد تم التوصل إلى اتفاق بين أربيل وبغداد منذ يوم الأربعاء، لكنهم لم يتلقوا بعد تأكيداً بأن رواتب شهر أيار (مايو) المتأخرة ستُدفع، إلى أن تم تسليم رسالة شديدة اللهجة، قادمة من جبهة كوردية موحدة، إلى الحكومة العراقية.
وفي الساعات المتأخرة من ليلة الاثنين، قرر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إرسال رواتب شهر أيار لموظفي إقليم كوردستان والمتقاعدين من قبل بغداد، متراجعاً عن إصرار حكومته لعدة أيام على أن الدفع كان مشروطاً بتصدير نفط الإقليم عبر بغداد.
كان من الصعب على حكومة إقليم كردستان تلبية مطالب بغداد. حيث أصرت الحكومة الفيدرالية على أن الرواتب لن تُرسل إلا بعد تصدير 230 ألف برميل من النفط من إقليم كوردستان، متجاهلة حقيقة أن الإقليم لم يتمكن من الحفاظ على طاقته الإنتاجية الطبيعية بسبب سلسلة من الهجمات الأخيرة على بنيته التحتية النفطية التي خفضت الإنتاج بشكل كبير.
واستهدفت سلسلة من هجمات الطائرات المسيرة منشآت نفطية عبر إقليم كوردستان بشكل شبه يومي في وقت سابق من هذا الشهر، وذلك وسط مفاوضات بين أربيل وبغداد لاستئناف صادرات النفط الكوردية، التي توقفت منذ آذار (مارس) 2023.
وقالت جمعية صناعة النفط في كوردستان (APIKUR) يوم الأربعاء إن معظم الشركات الأعضاء فيها، "بما في ذلك تلك التي لم تستهدف"، علقت الإنتاج في ضوء الهجمات.
81 ألف برميل.. والعودة تتطلب شهراً
وعلمت "الجبال" أن إقليم كوردستان لديه حالياً القدرة على إنتاج حوالي 81 ألف برميل من النفط يومياً.
وبحسب مصدر مطلع، سأل السوداني مؤخراً وزير النفط العراقي حيان عبد الغني عن المدة التي سيستغرقها إقليم كوردستان للعودة إلى طاقته الإنتاجية الأصلية البالغة 280 ألف برميل يوميًا، وقد رد الوزير بأن الأمر سيستغرق حوالي شهر.
ووفق تلك المعطيات، لو كانت بغداد قد التزمت بمطالبها الأصلية، لكان ذلك يعني أن موظفي الإقليم، الذين لم يتلقوا رواتبهم لأكثر من 80 يوماً، سيذهبون شهراً آخر دون تلقي رواتبهم. لكن تم تجنب احتمال المزيد من التأخير في صرف الرواتب بفضل رسالة صارمة من القيادة الكوردية.
وأفاد مصدر مطلع "الجبال"، يوم الثلاثاء 22 تموز 2025، بأن كل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني اتخذا موقفاً موحداً وسلما إنذارهما الأخير لبغداد.
وقال المصدر إن "الرسالة سُلمت إلى بغداد عبر الوزراء الكورد" في الحكومة الفيدرالية، وتضمنت إنذاراً من أكبر الأحزاب الكوردية، "يتضمن حتى إمكانية الانسحاب الفوري من العملية السياسية العراقية إذا لم يتم تمويل الرواتب على الفور".
الموقف الأميركي
وقد أُبلغ الدبلوماسيون الأجانب في البلاد، وخاصة الولايات المتحدة، بالفعل بهذا الإنذار من قبل القادة الكورد، وفقاً للمصدر، الذي أكد أن واشنطن سارعت إلى الاتصال والضغط على حكومة السوداني لوضع حد للقضايا بين أربيل وبغداد، معتبرة ذلك تهديداً مباشراً لاستقرار العراق.
وكانت الولايات المتحدة قد أعربت بالفعل عن رأيها بشأن النزاعات الطويلة الأمد بين أربيل وبغداد. وجاء في بيان نُسب إلى متحدث باسم وزارة الخارجية، الاثنين، تلقت "الجبال" نسخة منه: "لقد شجعنا باستمرار بغداد وأربيل على حل مشاكلهما المتعلقة بالرواتب وإعادة فتح خط أنابيب العراق-تركيا (ITP)".
وخلال الأسبوع الماضي، التقى دبلوماسيون أميركيون بالقيادة الكوردية، من كل من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، حيث قدمت الأحزاب الكوردية رسالة موحدة، وفقاً للبيانات الرسمية التي تتبعتها "الجبال".
الانفراجة
آنذاك، أعلنت وزارة المالية في إقليم كردستان يوم الثلاثاء أنها أودعت ما مجموعه 120 مليار دينار عراقي من الإيرادات غير النفطية "نقداً" في الحساب المصرفي لوزارة المالية العراقية بفرع أربيل للبنك المركزي العراقي.
وأكد مسؤول حكومي عراقي لـ "الجبال" أن "حكومة إقليم كوردستان سلمت 120 مليار دينار من الإيرادات غير النفطية لبغداد. وهكذا، وافق السوداني على إرسال رواتب شهر أيار".
وبعد فترة وجيزة، أعلنت وزارة المالية العراقية أنها بدأت بصرف رواتب موظفي إقليم كردستان لشهر أيار.
وقال المسؤول إن أربيل ستبدأ بتصدير الكمية المتاحة من النفط عبر منظمة تسويق النفط العراقية (سومو)، والتي تبلغ حالياً 80 ألف برميل من النفط يومياً، بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بحقول النفط جراء هجمات الطائرات المسيرة المتكررة.
وعلى الرغم من التقارير، لم يتم صرف الرواتب يوم الثلاثاء، وتشير المصادر الآن إلى إمكانية بدء عملية الدفع خلال ساعات عمل يوم الأربعاء.
ويتفق القادة الكورد في الوقت الحالي على كيفية التعامل مع بغداد، كما يتضح من موافقة الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني على إرسال زعيم الأخير بافل طالباني إلى بغداد لجولة المحادثات الأخيرة، بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء إقليم كوردستان مسرور بارزاني.