تغيير المعسكرات من "التظاهرات" إلى "الميليشيات".. حوار مع أصدقائي "المشجّعين"

4 قراءة دقيقة
تغيير المعسكرات من "التظاهرات" إلى "الميليشيات".. حوار مع أصدقائي "المشجّعين" تعبيرية

تحت وطأة الإحباط واليأس بسبب السيطرة التامة للجماعات المسلّحة على الفضاء العام، لاذ كثير من المثقفين والإعلاميين والمدوّنين العراقيين بالصمت خلال السنوات الماضية، وهو خيارٌ محترم، ولو كنت في مكانهم لاتّبعته. بينما اضطر آخرون إلى مسايرة الجو العام في منشوراتهم لدرء الشبهات وحتى لا يكونوا مستهدفين.


لكن الفئة الأغرب هي تلك التي نزعت جلدها القديم وارتدت بدلة الفصائل، في تحوّل حاد دون مقدّمات، لا يمكن فهمه على أنه «تقية» بل تغيير في المعسكر؛ فبعد أن كانوا يصطفّون مع زملائهم في ساحات التظاهر، صاروا مخلباً بيد الميليشيات، ولم يراعوا تلك الأواصر القديمة، بل صاروا يستهدفونهم ويحرّضون عليهم، ليحوّلوا حتى خيار الانسحاب تهمة توجب المحاسبة.

 

إن هذا الوضع الشاذ يتجاوز حدود النقاش حول مساحة الحرية في إبداء الرأي وتنوع وجهات النظر؛ إنه يرتدّ بقوة إلى فضاء استبدادي عرفناه سابقاً، بل إنه يتفوّق، في بعض الجوانب، على وضع كان سائداً في زمن نظام صدّام، حيث تُرك محمد خضير وعبد الرحمن طهمازي ولم يُفرض عليهما أن يمدحا النظام، وتم إهمال شعراء شباب كتبوا شعراً تجريبياً ولم يُطلب منهم قصائد تمجيد.

 

لقد حوّل مثقفون ومدوّنون المحاكمات التي ينصبونها لزملائهم إلى جو من الإرهاب العام؛ فكل شيء خاضع للتأويل، ولا توجد آراء مركّبة، حتى القصيدة عن الوردة تعتبر عند هؤلاء نوعاً من اللامبالاة التي تضع صاحبها في قفص الاتهام.

 

اشتدّ سعار هذه المحاكمات مع العدوان الإسرائيلي على إيران مؤخراً، وبدلاً من أن يكون موضع فحص وتباين في الآراء، باعتباره صراع دولتين، ومدى تأثيره على الداخل العراقي وما كشفه من ثغرات أمنية واستخبارية، وتداعياته مثل انقطاع المسافرين وتأثر الطلبة والمرضى العراقيين في ايران، أو تداعيات الحرب على الاقتصاد العراقي، ولماذا لم تقم الحكومات العراقية المتعاقبة بانجاز منفذ تصدير للنفط بديل، إن جرى إغلاق مضيق هرمز.

 

بدلاً من إحراج الحكومة في هذه الملفات المهمة، صار حدث الحرب بمثابة إجازة لها؛ فلا أحد يراقب أو يهتم، والجميع اشترى «شامية» وجلس على المدرّجات يتابع هذه المباراة المثيرة. وعلى الجمهور كله أن يشجّع فريقاً واحداً، وما هو أتعس؛ أن على كل من يقف في الخارج أن يدخل إلى المدرّجات، ولا خيار في عدم الاهتمام، فضلاً عن الاستنكار لفرضية المباراة؛ فلماذا لا نفترض فريقاً ثالثاً وهو العراق؟

 

من نافل القول إن هذه الحرب عدوانية، وإن انتصار إسرائيل فيها يعني تمدّد نفوذها في المنطقة، فما جرّبته مع إيران يمكن أن تجرّبه مع أي دولة أخرى ترفع إصبعاً في وجهها في المستقبل. وأن الشعب العراقي متضامن مع الشعب الإيراني الذي عانى من العقوبات، وتأثيرات الأوضاع الإقليمية.

 

كما أن أي هزّة في النظام الإيراني ستلقي بتداعياتها على العراق قبل أي بلد مجاور آخر؛ فغازنا لمحطات الكهرباء والمنتجات في السوق مصدرها إيران، والثقل الأمني والسياسي للنظام الايراني إذا تحوّل إلى فراغ قد يشجع اختلالات أمنية هنا.

 

ولكن، يا صديقي الذي قفزت إلى الجهة الثانية، اسمح لي أن أوضّح: العراق وإيران ليسا بلداً واحداً، ولسنا تحت القيادة الإيرانية، ولدينا مواقف نقدية تجاه سياسات طهران. إن منسوب الحرية في العراق تناقص الى حدود الجو الإرهابي الذي تفرضه مع زملائك بسبب إيران ووكلائها هنا. أعذرني يا صديقي، فأنا لا أستطيع مسح ذاكرتي كما فعلت وأصبح مشجّعاً على المدرّجات.

 

أريد لإيران أن تخرج متماسكة، ولا يتفتت نظامها، ليس لأني أحب أو أكره إيران، بل لأنني أشجع فريقاً ثالثاً هو العراق، وربما أكون مخطئاً، لكنني لست مثلك، أتقبّل النقد والاختلاف، ولا أخوّن أو أتّهم أحداً.

أحمد سعداوي كاتب وروائي

نُشرت في الأربعاء 25 يونيو 2025 02:00 م

شارك هذا المنشور

ما رأيك في هذا المنشور؟
أعجبني لم يعجبني

اشترك في النشرة البريدية


© 2025 الجبال. كل الحقوق محفوظة.