مع اقتراب مشهد الانتخابات البرلمانية في العراق، يظهر التنافس السياسي بشدة بين عشائر محافظة الأنبار، التي تشهد استقراراً أمنياً، لكنها تشهد صراعات سياسية، قد تخلق بعض الخلافات بين عشائر المحافظة.
وبحسب سياسيين، فإن "مشهد الانتخابات يختلف هذه المرة، ففي المرات السابقة كان التنافس بين أبناء العشائر المختلفة، لكن اليوم دخل الصراع الانتخابي إلى داخل العشيرة الواحدة".
ويرى الكاتب والباحث السياسي رامي الخطيب أنه "في المجتمعات العشائرية تلعب الانتماءات القبلية دوراً محورياً في تحديد الخيارات السياسية سواءً من حيث الترشيح أو التصويت".
وبين في حديثه لـ "الجبال" إنه "غالباً ما تعد العشيرة كتلة انتخابية متماسكة، تدعم مرشحاً واحداً أو أكثر حسب عدد أصوات هذه العشيرة، يمثلها في البرلمان أو المجالس المحلية".
وأشار إلى أنه "في بعض الحالات يظهر أكثر من مرشح من نفس العشيرة، فيتحول التنافس إلى صراع داخلي قد تُستغل فيه المشاعر القبلية والطائفية والعلاقات الشخصية".
وذكر أن "أسباب تعدد المرشحين من نفس العشيرة، هو بسبب الطموح الشخصي، حيث يرى كل مرشح نفسه الأجدر والأحق بتمثيل عشيرته، وأيضاً الخلافات السابقة قد تكون هناك نزاعات قديمة داخل العائلة أو بين فروع العشيرة، فتترجم إلى معركة انتخابية".
و"ضعف التنظيم الداخلي و غياب المرجعية (السياسية) الموحدة التي تقرر اسم المرشح النهائي يفتح الباب للتنافس الفردي"، بحسب قول الخطيب.
وأشار الخطيب إلى أن "هناك عدة آثار تترتب على تعدد المرشحين داخل العشيرة الوحدة، من بينها انقسام الصف الداخلي، حيث يتحول أبناء العشيرة الواحدة إلى مجاميع متنازعة مما يضعف وحدة العشيرة ويخلق حساسيات قد تستمر بعد الانتخابات".
كما أن "تشتت الأصوات يؤدي إلى خسارة الجميع، حيث تتوزع الأصوات بين المرشحين المتنافسين، مما يمهد الطريق لمرشح من خارج العشيرة للفوز، فضلاً عن تدهور العلاقات الاجتماعية، وقد قد تصل الخلافات إلى القطيعة بين العائلات أو حتى اندلاع صراعات عشائرية".
شيوخ عشائر في قوائم متعددة
وبحسب المعلومات الأولية لمرشحي الانتخابات البرلمانية فإن عدداً كبيراً من شيوخ محافظة الأنبار قد دخلوا الانتخابات، أبرزهم شيخ عشيرة "البوفهد" أحمد نصر عبد الكريم، وشيخ عشيرة "البومرعي" أركان الطرموز، وشيوخ عشيرة "البوعيسى"، وشيخ عشيرة "البوعيثة"، وشيوخ ووجهاء من عشيرة "البوعلوان"، وشيوخ آخرين من عشائر أخرى.
وأهم القوائم والتحالفات التي تتنافس على الانتخابات البرلمانية، هي قائمة "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، و"تحالف عزم" برئاسة مثى السامرائي، و"تحالف السيادة" برئاسة خميس الخنجر، و"تحالف الحسم" برئاسة ثابت العباسي، وقوائم أخرى صغيرة، فضلاً عن تحالفات قوى الإطار التنسيقي والأحزاب المقربة من الفصائل المسلحة.
ويرى الباحث في الشأن السياسي والأكاديمي أحمد اليوسف أن "الانتخابات عملية ديمقراطية تحدث كل أربع سنوات، ويحق للجميع المشاركة سواءً على مستوى الترشيح أو على مستوى التصويت، فهي ممارسة ديمقراطية تعكس وعي وثقافة المجتمع".
وأوضح في حديثه لـ "الجبال" أن "محافظة الأنبار مرت بعدة تجارب انتخابية، وتصدر المشهد أكثر من مشروع سياسي، فهنالك مشاريع لم تخدم الأنبار، بل تسببت في انتكاسات عدة، وهنالك مشاريع كانت لها افعال إيجابية وخدمية على أرض الواقع، لذلك أصبح المواطن على وعي ويميز بين المشاريع السياسية".
وتابع أن "هنالك حالة سلبية تحصل قبيل كل انتخابات بالتحديد، حيث نلاحظ تصاعد الخطاب الطائفي والعشائري والمناطقي، وفي الحقيقة هذا الخطاب يتنافى مع المسار الديمقراطي، لأن العمل السياسي أكبر من منظور الطائفة العشيرة والمنطقة".
وأضاف أن "الخطاب الطائفي والعشائري والمناطقي يعزز الانقسام، ويغذي الكراهية بين أبناء المحافظة، وله انعكاس سلبي على الواقع العام وعلى الروابط الاجتماعية، ويفترض من المرشح إن يطرح برنامجه وانجازاته على المستوى الخدمي والعمراني وكذلك على مستوى تطلعاته المستقبلية التي رشح من أجلها، والتي يهدف إلى تحقيقها للارتقاء بالعمل السياسي والتشريعي والاقتصادي والتعليمي والصحي".
وتقريباً، يسيطر حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي على المشهد السياسي والإداري في محافظة الأنبار، وهو ما جعل العديد يطلقون على الأنبار بـ"الجمهورية الإدارية"، لكن مع انطلاق الحملات الانتخابية المبكرة لانتخابات البرلمان العراقي المقرر إقامتها في تشرين الثاني من العام الحالي، فإن تحالف عزم الذي يترأسه مثنى السامرائي، قد دخل على خط التنافس و"بقوة".
وبدأ السامرائي باستقطاب عدد من شيوخ العشائر في قائمته، الأمر الذي أربك حسابات تقدم بزعامة الحلبوسي، بحسب عدد من المختصين.
جهات سياسية تغذي الصراع العشائري
السياسي الأنباري مهند الراوي تحدّث عن أن الانتخابات البرلمانية المقبلة "هي الأشرس والأصعب"، وستكون انتخابات مفصلية، وستحدد شكل النظام، وشكل الحكومة والبرلمان المقبل.
ولفت خلال حديث لـ "الجبال" إلى أن "دخول العشائر بشكل كبير في الانتخابات، يعد مؤشراً على بداية تفكيك اللحمة العشائرية، ونرى الاصطفاف في الأنبار عشائرياً، وليس حزبياً، وهذا أمر في غاية الخطورة"، مؤكداً: "من الخطورة أن يكون الاصطفاف الانتخابي على شكل عشائري، وهذا مؤشر على تراجع الحريات، وهذا التنافس والسباق من قبل زعماء وشيوخ العشائر سببه استشراء الفساد في مؤسسات الدولة".
وأردف أن "هناك جهات سياسية متصدرة الآن في محافظة الأنبار تغذي هذا الصراع داخل العشيرة الواحدة، وتلعب دوراً في تفريق العشائر الكبرى التي لا توالي الحزب الحاكم في المحافظة".
لذلك يدفع هذا الحزب بترشيح شخصيات ضعيفة داخل العشيرة الواحدة، بهدف منافسة شيخ العشيرة، وتشتيت الأصوات، بسبب ترشيح الشيخ مع كتلة سياسية أخرى منافسة للحزب الحاكم، في إشارة لحزب "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي.
وأعرب الراوي عن خشيته من الوصول إلى الصدام العشائري، أو الصدام بين أبناء العشيرة الواحدة، بسبب التنافس والصراع الانتخابي، وهذا بالتأكيد ينعكس على وضع المحافظة الأمني.
وفي انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة حصل حزب تقدم مع الأطراف المتحالفه معه على 11 مقعداً في مجلس محافظة الأنبار، من أصل 16 مقعداً، ما سمح له بالحصول على منصبي المحافظة، ورئاسة المجلس، وإدارة غالبية المؤسسات والدوائر الحكومية.
والأنبار هي أكبر المحافظات العراقية، وتحيطها ثلاث دول هي السعودية والأردن، وسوريا، وتعتبر ذات تركيبة عشائرية، حيث تسكنها مجموعة من عشائر الدليم، والبوعيسى، وشمر، وعنزة، والراويين والكبيسات، والجغايفة، والكرابلة، وجميلة، وزوبع، وغيرهم.
وعانت المحافظة طوال السنوات التي تلت عام 2003، من سيطرة الجماعات المتطرفة، بدتها القاعدة، تم تنظيم داعش، حتى تحررت في عام 2017، وتشهد استقراراً أمنياً نسبياً منذ ذلك الوقت.
من جانب آخر يقول الشيخ ياسر العبيدي، وهو أحد شيوخ عشيرة العبيد في الأنبار إلى أن "التنافس الانتخابي بين أبناء العشيرة الواحدة، ستكون له تبعات كبيرة، على وحدة العشائر، ويؤدي لتفكيك العشيرة الواحدة".
ويضيف في حديث خاص لـ "الجبال" أن "الجهات السياسية والأحزاب هي من تغذي هذه الصراع لأجندات خاصة بها، هناك أحزاب رشحت شيوخ عشائر معها لكي تكسب أصواتهم، وهناك جهات ضخّت الأموال لغرض تشتيت أصوات العشائر، وفي النهاية إن الخاسر الأكبر هي العشائر وأبناءها، فضلاً عن مجتمع الأنبار".